البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الفصل الثاني

المبحث الثاني

107 views

آليات تفعيل وتقويم الفتوى المنضبطة

 

تناولنا في المبحث السابق أهم آليات ومقومات إصدار الفتوى المنضبطة، ونتعرض في هذا المبحث لأهم آليات تفعيل وتقويم الفتوى المنضبطة؛ للوصول للحكم الشرعي المنضبط الموافق للقواعد العامة وضوابط الشريعة ومقاصدها الكلية.

وفي الحقيقة إنَّ آليات تقويم وتفعيل الفتوى المنضبطة في العصر الحاضر متعددة، نسلط الضوء في هذا المبحث -استكمالا وبناء لما سبق- على أهم تلك الآليات، وذلك من الرجوع إلى أهل الاختصاص بشأنها، ومن إعادة تأهيل وتدريب مؤسسات الإفتاء الرسمية، ومن تنظيم وتقنين لعملية الفتوى، وذلك من خلال الحَجْر على غير المتخصصين بالعملية الإفتائية ومنعهم من الإفتاء؛ طالما أنهم غير مؤهلين لذلك، وذلك حتى لا يُضَلوا ويَضِلوا، ويفسدون ولا يصلحون، وذلك في المطالب التالية:

المطلب الأول: الرجوع إلى أهل الاختصاص.

المطلب الثاني: إعادة تأهيل مؤسسات وهيئات الإفتاء الرسمية.

المطلب الثالث: تنظيم عملية الفتوى (الحَجْر على غير المتخصص). وفيما يلي بيان هذا:

 

 

المطلب الأول:

الرجوع إلى أهل الاختصاص

أضحت الفتوى من العلوم التي لها مناهج مقررة، وقواعد محررة، وأنظمة محددة، وأهل اختصاص بها كشأن باقي العلوم والمجالات، وإن شئت قلت أهمهما؛ لما عليها من صلاح الدين والدنيا، وبها تستقيم الحياة، وتتقدم الأوطان. ومن المعلوم أن لكل علم ثوابت يقوم عليها ذلك العلم، بحيث إذا خالفها مخالف فهو هادم لذلك العلم، ناقض لصرحه، شاذ بين علمائه، وعلم الإفتاء إذًا له أصول وضوابط نص عليها الفقهاء والأصوليون، لا بد عنها، ولا يجوز الخروج عليها، وإلا وقع صاحبها في المخالفة والشذوذ والاضطراب.

ومما لا ريب فيه أن مجال الإفتاء بات مفتوحًا للخوض فيه والمتاجرة به من الدخلاء عليه والمنتسبين له، فكثرت الفتاوى المضطربة باختلاف أشكالها وأنواعها، كفتاوى التكفير والشرك نحو الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، والاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج والنصف من شعبان، أو الاحتفال بالأعياد القومية كرأس السنة وشم النسيم وعيد النصر، وفتاوى الإرهاب والعنف والتطرف كحرق وهدم الكنائس، وتفجير المنشآت والهيئات المختلفة، وفتاوى تكفير الأشاعرة والصوفية، إلى غير ذلك، فضلا عن الفتاوى الشخصية التي لا تناسب ولا تتوافق مع حال المستفتين ومع عوائدهم وأعرافهم، الأمر الذي يقتضي مراجعة وإحكام مجال الإفتاء، والاقتصار  فيه على أهل العلم والاختصاص.

ولا شك أن هذه الفتاوى وغيرها التي تصدر من غير القائمين بها من الأهل الاختصاص والدراية بالفتوى تثير البلبلة والفرقة والاضطراب في المجتمع، وهذا مشاهد من فئات كثيرة برزت في بلاد المسلمين، تعيث في الأرض فسادًا، وتسعى في الناس إجرامًا وإرجافًا، متشحة  بزي الشرع والجهاد، خلافًا لما شرعه الله غاية للجهاد من نشـر للأمان وحماية للأوطان ودفع للعدوان، كما تسعى تلك الجماعات المتطرفة إلى توظيف الطائفية المقيتة لتحقيق أطماع سياسية دنيوية، لا علاقة لها بنصرة الدين والأمة، وإنما تستهدف العدوان على الغير والاستحواذ على حقوقه بالاستقواء والغدر، وهم يسعون في تحقيق مآربهم الخسيسة من التقليل والتشكيك في دور المؤسسات العلمية الإفتائية ذات الاختصاص، فيتعدون على صلاحيتها، ويتعمدون الإساءة إليها والتشكيك في اطلاعها ومسؤولياتها وإضعاف هيبتها والنيل من سمعتها ([1]).

والجرأة على الفتيا بهذا النحو هي سمة المفتين في هذا العصر، الذين بسببهم اضطربت الفتاوى، فأصبحت تصدر من حين لآخر فتاوى متفرقة، متخالفة، مضطربة، متطرفة، شاذة، إلى غير ذلك من أشكال الفتوى غير المنضبطة، وإن كثرت هذه الظاهرة في عصرنا الحالي، إلا أنها قد عرفت قديمًا؛ فهذا ربيعة بن عبد الرحمن التابعي رآه رجلٌ وهو يَبكي، فقال: ما يُبكيك؟ وارتاع لبكائه، فقال له: أمصيبة دخلت عليك؟ فقال ربيعة: “لا ولكن استفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم”، ثم قال “ولبعض من يفتي هاهنا أحق بالسجن من السراق”([2]).

لذا فقد نص أهل العلم على تحريم الفتوى على غير أهل الاختصاص بها من الجاهلين بصواب الجواب([3])؛ وقد جاء الوعيد الشديد لمن يفتي وليس من أهل الفتوى، فقال تعالى: {وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٞ وَهَٰذَا حَرَامٞ لِّتَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ لَا يُفۡلِحُونَ} [النحل: 116].

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أفتي بِفُتيا غير ثَبْتٍ فإنما إثمهُ على من أفتاهُ))([4])، وفي لفظ آخر: ((من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض))([5]). والنصوص في ذلك كثيرة.

والحقيقة أن فتاوى أهل هذا الزمان بحاجة إلى التأصيل الشرعي المنضبط على ضوء أصول فتاوى الأولين، انطلاقًا من مجموع الضوابط والشروط التي وضعها العلماء([6]).

فالفتوى صناعة من الصناعات العلمية المعقدة تحتاج إلى مهارة وحرفة خاصة للقيام بها في سبيل إصدار الفتوى في صورتها الصحيحة المنضبطة؛ ولذا تتعدد العلوم والمهارات المطلوبة في عملية الإفتاء ما بين حصيلة علمية ضرورية لدى المتصدر للفتوى -كما بيناها سابقا- ومهارات ذهنية في تصور الواقعة وتكييفها وتنزيل الأحكام الشرعية عليها، وما يُبنى عليه التصور من استنباطات من الخارج قائمة على نقاشات ومحاورات مع المستفتي، وتتواءم هذه العلوم والمهارات في سلسلة متراتبة تمثل أربع مراحل أساسية هي: مرحلة التصوير ومرحلة التكييف ومرحلة بيان الحكم ومرحلة الإصدار؛ لتخرج بعدها الفتوى في صورتها التي يتلقاها المستفتي ([7]).

وهذه المراحل هي بمثابة مقدمات ووصف دقيق لجميع الإجراءات المرتبطة بعملية الفتوى منذ جلوس المستفتي وعرض سؤاله أمام المفتي، حتى صدور الفتوى منه، فإذا صحَّتْ هذه المقدِّمات منه صَحَّتِ وانتظمت النتائج المترتِّبة عليها وهي الفتوى المنضبطة، مع الإشارة بأن “هذه المراحل متفاوتة في الزمن؛ فمنها ما لا يزيد عن دقائق قليلة، ومنها ما يحتاج إلى أيام أو شهور أو حتى سنوات”([8])؛ فعن سحنون: “أن رجلا أتاه، فسأله عن مسألة فأقام يتردد إليه ثلاثة أيام، فقال له: مسألتي أصلحك الله، لي اليوم ثلاثة أيام؟ فقال له: وما أصنع لك يا خليلي؟ مسألتك معضلة، وفيها أقاويل، وأنا متحير في ذلك. فقال له: وأنت أصلحك الله لكل معضلة، فقال له سحنون: هيهات يا ابن أخي ليس بقولك هذا أبذل لك لحمي ودمي إلى النار، ما أكثر ما لا أعرف، إن صبرت رجوت أن تنقلب بمسألتك، وإن أردت أن تمضي إلى غيري فامض تجاب مسألتك في ساعة، فقال له السائل: إنما جئت إليك ولا أستفتي غيرك. فقال له سحنون: فاصبر عافاك الله، ثم أجابه بعد ذلك”([9]).

فيجب رجوع العامي إلى المفتي الأهل للإفتاء، العالم بأحكام الشريعة، المتوافر في حقه شروط الاجتهاد والإفتاء التي نص عليها الفقهاء، وأفاضوا الحديث عنها، ويمكن أن يتوفر اليوم شرط العلم للمفتي بالحصول على إجازة في الشريعة، أي: في الفقه وأصول الفقه، وما يلحق ذلك من العلوم الفقهية، كالقواعد الفقهية، والنظريات الفقهية، والفقه المقارن.

ولا يجوز لولي الأمر تعيين المفتي إذا لم يكن مختصًّا بالشريعة، وحاصلًا اليوم على شهادة جامعية في ذلك، فإن فعل ذلك، أثم شرعًا، هو ومن عيَّنه؛ فلا يجوز للشخص أن يقبل التعيين بوظيفة مفتٍ إذا لم يكن أهلا لذلك، وتوافرت فيه شروط وضوابط الإفتاء؛ يقول ابن القيم: “من أفتى الناس وليس بأهل للفتوى فهو آثم عاص، ومن أقره من ولاة الأمور على ذلك فهو آثم أيضا”([10]).

ويجب على العامي وكل شخص غير مختص بالشريعة، أن يسأل المفتي الذي توافر فيه شرط العلم عما يعرض له من المسائل، وما يستجد له من نوازل، سواء تصدى للإفتاء بذاته، أو من عينته الدولة بوظيفة الإفتاء العام أو المحلي، أومن يكون منتصبًا للإفتاء([11]).

يقول الزركشي: “وإنما يسأل -المستفتي- من عرف علمه وعدالته، بأن يراه منتصبًا لذلك، والناس متفقون على سؤاله والرجوع إليه، ولا يجوز لمن عرف بضد ذلك إجماعًا”([12]).

ويقول ابن النجار: “إن للعامي أيضًا استفتاء من رآه منتصبًا للإفتاء والتدريس، معظَّمًا عند الناس، فإن كونه كذلك يدل على علمه، وأنه أهل للإفتاء([13])([14]).

وإن قلنا بأنَّه يجوز للمستفتي الرجوع في معرفة جواب نازلته إلى المفتي سواء المتصدي للإفتاء بذاته ومن تلقاء نفسه؛ فإن هذا مقيد بكونه أهلًا وكفئًا للفتيا، وبقدرة المستفتي على الحكم عليه بكونه أهلا لذلك من عدمه، كما أن الرجوع إليه يكون في الأسئلة والجوانب الشخصية؛ كالسؤال في أمور العبادات، أما عن المسائل والنوازل المتعلقة بالشأن العام فإنها تكون من اختصاص القائمين بوظيفة الإفتاء ممن يعينه ولي الأمر، من المؤهلين للنظر في مثل تلك القضايا والنوازل؛ بما يمتلكون من القدرة الذهنية، والمعرفة الفقهية والأصولية، ومراعاة للمقاصد والمآلات، وإلمامًا بواقع المجتمع وظروفه ومتطلباته وحوائجه، بمعنى أعم وأشمل: أدرى القوم بصناعة الفتوى وضوابطها؛ فالفتوى صنعة ودربة لا يجيدها ولا يتقنها غير المختصين بها الممارسون والمزاولون لها، بحيث تصبح ملكة سجية راسخة في النفس لديهم؛ قال أبو الأصبغ المالكي: كثيرًا ما سمعت شيخنا أبا عبد الله بن عتاب رضي الله عنه يقول: “الفُتيا صنعة”، وقد قاله أبو صالح أيوب بن سليمان بن صالح رحمه الله، حيث قال: “الفتيا دربة وحضور الشورى في مجالس الحكام منفعة وتجربة”([15])، ويقول ابن القيم: “إن كثرة المزاولات تعطي الملكات فتبقى للنفس هيئة راسخة وملكة ثابتة”([16]).

والأولى والأجدر بالمستفتي إذًا الرجوع في جميع نوازله ووقائعه (شخصية كانت أو عامة) إلى أهل الفتوى المرخص لهم بالإفتاء؛ لكثرة ممارستهم ومزاولتهم لوظيفة الإفتاء، بحيث أصبحت لديهم الملكة والمكنة الإفتائية، وسدًّا لفتاوى جانبها الحق والصواب صادرة من بعض أهل العلم، ولكنهم غير مؤهلين التأهيل الكافي للإفتاء، وفتاوى وأجوبة مضطربة ومتناقضة شاذة، صادرة من جهلاء أدعياء خاصةً فيما يمَسُّ عموم الأمة ويخص الشأن العام فيما يتعلق بمسائل الدين الكبرى، وقضايا السياسة والاقتصاد والطب  إلى غير ذلك من القضايا الهامة، وخاصة القضايا والمستجدات وليدة العصر الحاضر، والتي تستدعي مزيدًا من الفكر والبحث والتأني، وربما الرجوع والاستعانة بأهل الخبرة والاختصاص بشأن تلك النازلة الواقعة إذا كان الأمر يحتاج إلى إيضاح من ذوي الاختصاص، لبيان صورة المسألة، وإدراك الواقع  والحال المحيط بها، والوقوف على كافة أبعادها وملابساتها، قبل إبداء الرأي الشرعي، وربما احتاج إلى مشاورة غيره من المفتين والفقهاء المجتهدين وتبادل الحديث والمناقشة معهم حول الحكم الذي يتناسب مع النازلة المعروضة.

فأهل الاختصاص بالفتوى لا يخبر مستفتيه بحكم الشرع إلَّا بعد أن يقوم بتصوُّر المسألة المُستَفتى فيها تصوُّرًا صحيحًا، وبعد أن يدرس واقعها دراسةً متأنية جيدة، ثم يُحسن تكييفها؛ ليتسنى له تنزيل حكم الله تعالى في مثل هذه الواقعة بما يحقق مقاصد الشريعة الغراء، بصيغة محكمة مزيلة للإشكال، بعيدة عن الإبهام وإلقاء المستفتي في الحيرة والارتياب.

ولا شك أن غير أهل الاختصاص ممن لم يستجمع شروط الإفتاء وأدواته وآدابه، لا يتسنى له الوصول إلى الحكم الشرعي المنضبط، لعدم مراعاة ضوابط الفتوى السابقة، وعدم التحلي بآدابها من مشاورة ورجوع إلى الأهل الخبرة والتخصصات المختلفة، كل في مجاله، إلى غير ذلك من الآداب المشترطة للفتوى، التي قررها الأصوليون والفقهاء وأكدوا على مراعاتها في الفتيا، وأثرها في انضباط الفتوى وصحتها والعكس.

وعلى ذلك: فإنه من العبث اللجوء لغير المختصين واستفتاؤهم في شتى أمور الدين، ويحتم على الأمة التصدي ونفي كل من يتصدر للإفتاء من غير أهله، وهذا الأمر واجب شرعي على أولي الأمر في المجتمع، يجب النظر والمصير إليه، بحيث لا يوكل الإفتاء لغير أهل العلم من العلماء الربانيين والفقهاء المجتهدين، وألا تترك الساحة الإفتائية مفتوحة للجميع يفتون الناس في أمور دينهم ودنياهم بغير علم ودراية، وهو ما يحدث بلا شك اضطرابات في الفتاوى وأزمات في المجتمع بظهور تيارات متشددة بعيدة كل البعد عن صحيح الدين ومقاصد الشرع الحنيف.

من أجل ذلك وغيره يستدعي النظرُ والعقل، ويحتم العلم والواقع والحكمة قصرَ الفتوى على أهلها المتخصصين ‏والمؤهلين لها من العلماء المشهود لهم بالعلم والكفاءة والجدارة؛ تحقيقًا للأمر الإلهي الوارد في قوله تعالى: {فَسۡ‍َٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} [النحل: 43]، وقوله عز وجل: {وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡ} [النساء: 83]، والحجر على غير المتخصصين، سواء كانوا من علماء الدين ولكنهم لم يتأهلوا للفتوى، أو من غير علماء الدين من أصحاب التخصصات الأخرى، أو من الجهلاء الذين ليس لهم أدنى معرفة بأي من العلوم المختلفة، وتحري ذلك كله وتطبيقه هو من عزائم الأمور؛ حيث يتم الاجتماع على آراء العلماء الراسخين، والرجوع إليهم كلما احتيج إلى ذلك، بعيدًا عن التطرف والشذوذ في الأقوال، والاضطراب والاغتراب في الفتاوى، ومن ثمَّ نحمي المجتمع وثوابته، من أهواء ضعاف النفوس من المتطفلين على المجال الإفتائي.

ويمكن إعادة جسور الثقة الإفتائية والتغلب على هذه المشكلة عن طريق بيان الأحكام الشرعية وأصول الإسلام الصحيح للمسلمين وغيرهم بصورة صحيحة منضبطة، بعيدًا عن الاضطراب والتشدُّد والتعصُّب والغلوِّ في الدين، عن طريق العلماء المتخصصين في المؤسسات والمراكز الإسلامية المتخصصة بالإفتاء؛ كالأزهر الشريف، ودار الإفتاء المصرية، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ونحو ذلك من مؤسسات ودور وهيئات الفتوى في العالم الإسلامي([17]).

 

 

 

المطلب الثاني:

إعادة تأهيل مؤسسات وهيئات الإفتاء الرسمية([18])

كما هو معلوم أن أول من قام بمنصب الإفتاء كان سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم من بعده فقهاء أصحابه والتابعين، ثم الفقهاء المجتهدون وعلماء المسلمين، بشروط استوجبوا توافرها واستنبطوها من أصول الشريعة الإسلامية.

وكانت الفتوى هي ملجأ الناس، ومحل السكن والطمأنينة لديهم، فبها تهدأ النفوس الحائرة، وتسكن القلوب المضطربة، وتخمد براكين النزاعات، وكان اختيار المفتي راجعًا لعلاقة الطبيعة بين المفتي والمستفتي ومدى ثقته فيه وكونه من أهل الفتوى والاجتهاد.

ومع مرور الوقت، وتحديدًا في العصر الأموي، تنبه لخطورة الفتوى والتشويش على العامة، لذا كان لا يُسمح بالفتوى إلا لمن نصَّبه ولي الأمر لذلك، وكانوا حريصين على أن يُنصِّبوا للفتوى من هو أهلٌ لها، وإن لم يكن بشكل المفتي الرسمي حاليًّا، لكن نستطيع أن نقول إنهم أول من سعوا في تنصيب مُفتٍ للدولة ([19]).

وفي العصر العباسي كان قاضي قضاة الدولة فيه الغُنية لممارسة عمل الفتوى والقضاء معًا؛ حيث إنه يُعدُّ مفتي الدولة الرسمي، فهو المرجعية الشرعية -في الغالب- للخليفة ولعامة الناس من باب أولى.

يتضح من ذلك: أن هناك حرصًا على الإفتاء وأن يكون هناك مرجعية رسمية له، وأن خلفاء وملوك الدولة الإسلامية كانوا يتمتعون بسعة الأفق وبُعد النظر حينذاك، فلم يَحجروا على عامة العلماء والفقهاء من أن يمارسوا عمل الإفتاء مع مستفتيهم -طالما أنهم مؤهلون لذلك- حيث إنه من الصعوبة بمكان أن يستوعب مفتي الدولة في ذلك الوقت كل إشكال شرعي يطرأ على كل فرد من أفراد العالم الإسلامي.

ومع نشوء الدول الحديثة: والتي تقوم على نظام مؤسسي كان من الضرورة بمكان أن تتغير طرق الإفتاء مع الإبقاء على قنوات الإفتاء التقليدية بضوابط محددة؛ كإمام المسجد المؤهل المتمكن من الفتوى وعلومها، وكالعالِم الفقيه في حلقته العلمية بين طلبة علمه إلى نحو ذلك ([20])، وذلك لعدة أسباب مهمة؛ منها:

1- مواكبة التطور والمستجدات: فالإسلام قادر على مواكبة التغير الحضاري والذي نشاهده في جميع أنظمة الدولة سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، فلا بد أن يكون لدينا مؤسسات وهيئات علمية شرعية ترتقي في منهجية الإفتاء؛ لمواكبة هذا التطور الواقع في شتى المجالات، بفتاوى منضبطة، تساهم مساهمة فعالة في استقرار المجتمع والنهوض به نحو التقدم والحضارة.

2- كثرة الفتوى المضطربة الصادرة من غير أهلها التي تثيرُ القلاقل والاضطرابات، وأصبحت مصدرًا للصراعات، بل والإرجاف والإرهاب، نحو تحريم الحلال، وتحليل الحرام، وبروز القول بالتكفير بالمعصية، واستحلال دماء الناس، وتشويه صورة الإسلام، والتنفير منه، مما أدى إلى حصول الفُرقة في المجتمعات الإسلامية، وزعزعة الأمن والاستقرار بين أفراده، وإشغال الأمة عما هو أهم وأصلح لها.

3- استغلال الوسائل المعلوماتية الحديثة: إن العالم المعاصر قد تغيرت معالمه وأساليب حياته بسرعة فائقة، وآلة تغيره هي وسائل الاتصال الحديثة، فبرامج الحاسب الآلي والإنترنت والهواتف الذكية إلى نحو ذلك، بما تتيحه من خدمات ومهارات تفيد العملية الإفتائية على الناحيتين: الأولى: التواصل مع الآخرين، والثانية: الناحية العلمية والفنية، كل ذلك وغيره يتطلب مؤسسة تنظيمية تقوم على استغلال هذه التقنيات بشكل جيد مما يساهم في أداء الخطاب الإفتائي للبشرية جمعاء.

4– نوعية الاستفتاءات والأسئلة الواردة على المفتي: إن تعقيدات الحياة العصرية التي أفرزتها التكنولوجيا المعاصرة قلبت الحياة البسيطة القديمة -التي كانت تتناغم وتتناسب مع فهم فقه كثير من المفتين آنذاك- إلى حياة شديدة التعقيد والتشابك، يصعب على المفتي المعاصر في كثير من الأحيان أن يفك هذا التشابك وهذا التعقيد، دون أن يستشير ذوي الاختصاص، وسواء كانوا من أهل فنه من المفتين والباحثين المساعدين له، أو من أصحاب التخصصات الأخرى، وهذا بلا شك يتطلب عملًا مؤسسيًّا رفيع المستوى، يعمل وفق نظام ومنهج دقيق.

5- كثرة وازدياد عدد الأسئلة والفتاوى: مقارنة بالزمن الماضي؛ حيث كانت الكثافة السكانية للمجتمع قليلة، وحوادثه الطارئة عليه التي تستدعي تدخل المفتي لحل إشكالاتها وبيان حكمها قليلة جدًّا، ولكن في الوقت الحاضر، أصبحت الكثافة السكانية في ازدياد والعالم في اتساع، ما يعرض للفرد الكثير من الإشكالات الشرعية، بنوعيها: المستجد على المستفتي والمفتي، أو المسائل المكررة المعلومة في الشرع، ولكن لاختلاف صورها تشكل على السائل؛ كأمور العبادات مثل: قصر الصلاة وجمعها في السفر، ومدة القصر التي معها يجوز الجمع والقصر إلى نحو ذلك، مما يدفع كثيرًا من الناس للسؤال عن حكم ما يواجهونه في أمور حياتهم، هذا بالإضافة للأسئلة الواردة من المؤسسات الاقتصادية والتي تتسم في الغالب الأعم بالتعقيد والتشابك، وكذا الهيئات الحكومية، والشركات الخاصة إلى غير ذلك، لهذا وغيره كان لزامًا تطوير العمل الإفتائي الفردي إلى العمل المؤسسي؛ وذلك بإنشاء دور وهيئات للفتوى رسمية.

وبمرور الوقت بدأ فعليًّا -استجابة للمتطلبات السابقة- الشروع في تأسيس مؤسسات الإفتاء من دور وهيئات ومجامع وغيرهم، وانتشرت في العديد من الدول الإسلامية، وما يعنينا في نطاق هذا البحث هو دُور ومؤسسات الإفتاء الرسمية، وانتقلت بذلك “وظيفة المفتي نقلة نوعية، من كونه عملًا شخصيًّا يقوم به المفتي بطريقة فردية، إلى عمل مؤسسي يترأس فيه المفتي منظومة شرعية كاملة منوطًا بها القيام بعدة وظائف شرعية خدمية، في صدارتها الإفتاء([21]).

ومع اختلاف دور ومؤسسات الإفتاء من حيث مواردها البشرية والمادية واختلاف هيكلها الإداري والتنظيمي، اختلفت وتباينت الوظائف والخدمات التي تؤديها تلك الدور بناء على مواردها وصلاحياتها في الدولة التي تمارس فيها مهامها، وقد تنوعت تلك الوظائف المختلفة التي تؤديها المؤسسات الإفتائية بين وظائف دينية، واجتماعية، وقانونية في بعض الأحيان.

فالوظائف الدينية نحو: (الإفتاء، وإنشاء الأبحاث الشرعية، واستطلاع أهلة الشهور العربية، وتحقيق التراث، والرد على الشبهات الواردة على الإسلام، وتأهيل وتدريب المنتسبين إلى هيئة الإفتاء وإثقالهم بالمعارف والخبرات العلمية والمهارات الإفتائية، وكذا تدريب الطلبة الراغبين في تعلم الإفتاء)، والاجتماعية نحو: (تقديم خدمات النصح والإرشاد الأسري، وحل النزاعات الأسرية والمجتمعية، واستطلاعات الآراء حول موضوع معين)، والقانونية نحو: (الحكم والفصل في النزاعات الزوجية، تقديم المشورة الشرعية للهيئات القضائية).

وتعد الوظيفة الرئيسية لدور الإفتاء، هي “وظيفة الإفتاء”؛ حيث تقوم المؤسسات الإفتائية بتأسيس الفتوى الشرعية تأسيسًا سليمًا دقيقًا يتفق مع صحيح الدين وتحقيق مقاصد الشريعة العليا، من حفظ الدين والنفس والعرض والعقل والمال، كما تقوم بتقديم هذه الفتاوى لطالبيها بطرق ميسرة تناسب لغة العصر، فتتواصل المؤسسات الإفتائية مع المستفتين عن طريق إحدى الطرق التالية:

أ- الإفتاء الشفوي: حيث تستقبل المؤسسة المستفتين وتنظم مقابلاتهم مع أمناء الفتوى أو المتصدرين للفتوى، فيسمعون أسئلتهم ويجيبون عليها.

ب- الإفتاء الهاتفي: وفيه تستقبل المؤسسة من خلال الإدارة أو القسم المخصص لذلك مكالمات الجمهور من المستفتين، وتجيب على أسئلتهم هاتفيًّا، عدا بعض الأسئلة والوقائع التي تحتاج إلى مزيد بيان لواقعة السؤال ومعرفة لكافة الظروف والملابسات المتعلقة بها، وذلك كما هو الحال في أسئلة الطلاق؛ حيث يتوقف الحكم فيها على المعرفة الدقيقة للفظ الصادر من المستفتي، ونيته وقت صدور اللفظ، والظروف والملابسات التي صدر فيها، وكذلك كافة الوقائع والمستجدات التي يسأل عنها المفتي وتكون صورة المسألة غير واضحة لديه، فيخبره بأفضلية التواجد إلى مقر الدار إن أمكن له ذلك؛ لإيضاح صورة مسألته.

ج- الإفتاء المكتوب: وتقدم المؤسسة الإفتائية خدماتها من الفتوى المكتوبة ردًّا على المستفتي الذي يأتي إلى مقر الهيئة ويترك سؤاله مكتوبًا، أو على الخطابات المرسلة إلى الهيئة بالفاكس أو البريد، أو الخطابات الموقعة من الجهات الرسمية.

د- الإفتاء الإلكتروني: وذلك من خلال استقبال الأسئلة عبر الوسائط ومن خلال شبكة المعلومات العنكبوتية (الإنترنت)، سواء كان هذا عن طريق البريد الإلكتروني، أو عن طريق التطبيقات المعدة لاستقبال الأسئلة، أو عن طريق الموقع الرسمي للهيئة، أو عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، أو ما يجد من نوافذ أخرى([22]).

مؤسسات الفتوى في العصر الحاضر:

هناك العديد من النماذج للمؤسسات الإفتائية التي وصلت إلى الشكل النهائي للهيكل المؤسسي، والتي تعمل على التحسين والتطوير المستمر للعملية الإفتائية؛ لتحقيق التميز المؤسسي نحو إفتاء منضبط في ضوء مناهج الإفتاء العلمية المورثة من الفقهاء والأعلام السابقين، من تلك المؤسسات: دار الإفتاء المصرية، إدارة الإفتاء بالكويت.

أ- دار الإفتاء المصرية: تعتبر دار الإفتاء المصرية من أُولى دور الإفتاء في العالم الإسلامي؛ حيث أنشئت عام 1895م بالأمر العالي الصادر من حضرة خديوي مصر عباس حلمي؛ الموجَّه لنظارة الحقانية بتاريخ 21 نوفمبر عام 1895م تحت رقم (10)، وقد بُلِّغ إلى النظارة المذكورة بتاريخ 7 من جمادى الآخرة 1313هـ تحت رقم (55).

ومنذ إنشائها وإلى الآن، تقف دار الإفتاء المصرية شامخةً في طليعة المؤسسات الإسلامية؛ حيث تعد ترجمة حقيقية للمؤسسية الإفتائية منهجًا وإدارة، تتحدث بلسان الدين الحنيف، وترفع لواء البحث الفقهي بين المشتغلين به في كل بلدان العالم الإسلامي، فتقوم بدورها التاريخي والحضاري، في وصل المسلمين المعاصرين بأصول دينهم وتوضيح معالم الطريق إلى الحق، وإزالة ما التبس عليهم من أحوال دينهم ودنياهم؛ كاشفةً عن أحكام الإسلام في كل ما استجدَّ على الحياة المعاصرة.

كما تعد دار الإفتاء المصرية أحد أعمدة المؤسسة الدينية في مصر، بهيئاتها الأربع الكبرى: الأزهر الشريف، وجامعة الأزهر، ووزارة الأوقاف، ودار الإفتاء المصرية. وهي تقوم بدور مهم وكبير في إفتاء القاعدة الجماهيرية العريضة، وفي المشورة على مؤسسات القضاء في مصر.

كانت الدار قد بدأت إدارةً من إدارات وزارة العدل المصرية؛ حيث تُحَال أحكام الإعدام وغيرها إلى فضيلة مفتي الديار المصرية طلبًا لمعرفة رأي دار الإفتاء على جهة المشورة في إيقاع عقوبة الإعدام وباقي أحكام القضاء، ولكن دورها لم يتوقف عند هذا ولم يُحدَّ بالحدود الإقليمية لجمهورية مصر العربية، بل امتد دورها الريادي في العالم الإسلامي. ويمكن التعرُّف على ذلك الدور الريادي بمطالعة سجلات الفتاوى منذ نشأة الدار حتى يومنا هذا؛ حيث ترد إليها الفتاوى من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وترد إليها البعثات من طلاب الكليات الشرعية من جميع بلدان العالم الإسلامي لتدريبهم على الإفتاء ومهاراته لتأهيلهم للاشتغال بالإفتاء في بلادهم.

وهذا الدور الريادي للدار نشأ من مرجعيتها العلمية ومنهجيتها الوسطية في فهم الأحكام الشرعية المستمدة من الفقه المتوارث على نحو من التوافق بين الرؤية الشرعية وحاجة المجتمع؛ وذلك لضبط العملية الإفتائية. ومع التطور التكنولوجي الواقع في شتى المجالات على مستوى العالم ظلَّت دار الإفتاء المصرية تواكب هذا التطور الهائل وتضطلع بمهام جسام أملتها عليها تلك النقلة النوعية، وذلك الاتساع الضخم في الحوادث والنوازل المستحدثة في شتى المسائل العلمية ([23]).

مهام دار الإفتاء:

تتشعب وتتنوع مهام دار الإفتاء المصرية؛ نظرًا لدورها الريادي على المستوى المحلي والعالمي، ما بين مهام دينية، وقانونية، واجتماعية:

أولا: المهام الدينية: من المهام الدينية التي تقوم بها دار الإفتاء المصرية، ما يلي:

1- إجابة الأسئلة والفتاوى باللغات المختلفة، وبالطرق التقليدية والحديثة.

2- إصدار البيانات الدينية.

3- إعداد الأبحاث العلمية المتخصصة.

4- الردُّ على الشبهات الواردة على الإسلام.

5- استطلاع أوائل الشهور العربية.

6- تدريب الطلبة المبعوثين على الإفتاء.

7- إعداد المفتين عن بُعْد.

ثانيًا: المهام القانونية: من المهام القانونية لدار الإفتاء:

1- الرد على خطابات المحاكم والمؤسسات الرسمية، لإبداء الرأي الشرعي في القضايا أو المسائل التي تطلب فيها المحاكم رأي دار الإفتاء المصرية؛ لاستيضاح الرأي الشرعي بشكل دقيق ومتخصص، مما يساعد في إنهاء هذه المنازعات أو المسائل المعلقة والتي تحتاج إلى الحكم الشرعي.

2- تقديم المشورة الشرعية للمحاكم المختصة في قضايا الإعدام.

ثالثًا: المهام الاجتماعية: من المهام الاجتماعية لدار الإفتاء المصرية:

1- الحكم والفصل في كل المنازعات الاجتماعية والمالية وتقسيم التركات وقضايا الديات والجراح والإصابات وكل ما فيه خلاف بين الناس، وذلك بإنشاء إدارة “فض المنازعات”.

2- حل المشكلات بين أفراد الأسرة الواحدة وخاصة مشكلة الطلاق، وذلك بإنشاء إدارة “الإرشاد الزوجي”([24]).

ب- الإدارة العامة للإفتاء بالكويت:

إدارة الإفتاء في وزارة الأوقاف الكويتية هي إدارة أنشئت عام 1987م بعدما كانت مهمة الإفتاء موكلة للجان التابعة لمكتب الإفتاء -بعد تطور كبير في العمل الإفتائي والانتقال بها إلى الطابع الرسمي المؤسسي([25])، ونظرًا للتراكمات الإدارية واتساع المهام أنشئت إدارة الإفتاء، وأُسند إليها الكثير من المهام العلمية والإدارية؛ من إصدار الفتاوى، ونشر مجموعة سلسلة الفتاوى الشرعية، والفتوى الهاتفية، وفتاوى البريد الإلكتروني.

وتعتبر هذه الإدارة المرجع الشرعي لجميع شرائح المجتمع على المستويين الرسمي والشعبي، كما تعمل على عرض البيان الشرعي فيما يعترض الناس من مشكلات حياتية، بالإضافة إلى ترسيخ المرجعية الشرعية للهيئة العامة في جهاز الإفتاء من خلال تعزيز موجبات الثقة بها، وتلبية احتياجات المجتمع في فهم أحكام الشريعة الإسلامية وحُسْن تطبيقها، وتحقيقًا لمفهوم الوسطية، وإسهامًا في القضاء على المظاهر السلبية الناجمة عن الإفتاء من جانب غير المتخصصين([26]).

أهمية وجود دور وهيئات الفتوى في العصر الحالي:

لا شك أن كثرة النوازل والوقائع المستجدة التي طرأت في هذا العصر، والتي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد، كان لها أكبر الأثر في نشوء مؤسسات وهيئات إفتاء مختصة بالاجتهاد الفقهي؛ لمواكبة ذلك التسارع والتتابع والتعقيد في تلك الوقائع والنوازل التي تفرزها الحياة العصرية في كافة المجالات؛ فقد أصبحت النازلة الواحدة يتنازعها أكثر من تخصص في علوم الشريعة والاجتماع والطب والاقتصاد والسياسة والقانون وغيرها؛ فلا يمكن النظر في تلك النازلة دون عرضها على عدد من تلك العلوم من أجل الوصول إلى الحكم الشرعي المنشود؛ ففي زمن التخصص العلمي لا بد من التنبه إلى ضرورة الاجتهاد الجماعي؛ عصمة للفتاوى من الزلل، وصيانة للفكر عن الزيغ، وتأكيدًا على التلازم المتقن بين التخصصات المختلفة.

ولذا كان هدف المؤسسات الإفتائية نقل الفتوى من التعاطي الفردي الذي كان متوافقًا مع ظروف الأزمنة السابقة إلى مستوى آخر يتلاءم مع انتقال المجتمعات العربية إلى حال الدولة المدنية الحديثة، والتي تقوم على مبدأ مأسسة العمل وتنظيمه وفق قانون ضابط يخضع له الجميع ويكون هو المرجعية العليا للدولة([27]).

ولا يخلو مجتمع من المجتمعات المسلمة من الاحتياج للمرجعية الشرعية المنضبطة التي تعمل على ترسيخ الاستقرار في المجتمع من خلال نشر الأحكام الشرعية على نحو منضبط يتسم بالوسطية والاعتدال، وتمثل الأوضاع التي تمر بها الأمة الإسلامية في الوقت الحالي تحديًا على كافة المجتمعات المسلمة في مواجهة تلك الأوضاع التي تفرض على تلك المجتمعات ضرورة التماسك والوقوف أمام دعاة الفوضى والتطرف والتخريب، الذين يكرسون لفوضى الفتاوى وفوضى المجتمعات، ولأجل الاضطلاع بتلك المهمة الشرعية؛ مهمة المرجعية وبيان الأحكام الشرعية المنضبطة، كان من أهم الواجبات على كل مجتمع تأسيس دار للإفتاء تقوم ببيان الأحكام الشرعية بشكل منضبط سليم قائم على الوسطية، خال من التساهل والتشدد المذموم.

تأهيل مؤسسات وهيئات الإفتاء الرسمية:

مع أهمية هيئات ودور الفتوى في الوقت الحالي، في إصدار خطاب إفتائي منضبط بمناهج الإفتاء العلمية الموروثة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده الصحابة والتابعون والفقهاء المجتهدون من علماء الدين الربانيين، وتبلورت في خبرات عملية متراكمة على مر السنين إلى يومنا هذا، فإن المشاهد في الآونة الأخيرة للخطاب الإفتائي يجد فتاوى كثيرة صادرة عن مؤسسات معنية بالإفتاء غير منتظمة، جانبها الحق والصواب، لأسباب متعددة، منها: عدم تصوير النازلة المستحدثة التصور الدقيق، الاعتماد في الفتوى على الكتب القديمة والجمود على ما فيها، وعدم إدراك الواقع المعيش، وإهمال النظر في مآلات الأحكام الصادرة، إلى غير ذلك.

ولقيام المؤسسات الإفتائية بالدور المنشود منها، فلا بد أن تكون مؤهلة تأهيلا كافيًا للاضطلاع بهذه المسؤولية، وذلك على المستويين العلمي والإداري، وإلا كنَّا بصدد فتوى غير منضبطة، غير عملية وعلمية، وهذا ربما يرجع إلى عدم التأهيل الكافي للمؤسسة.

لذا وجب بداية تقييم الوضع الحالي للمؤسسة: ويقصد بذلك تحديد المعلومات الحالية حول نقاط القوة ونقاط الضعف في المؤسسة الإفتائية، وكذلك المعلومات حول الأدوار تجاه القضايا الهامة والحساسة التي تواجهها المؤسسة، والتي يجب أن تتضمنها خطتها الاستراتيجية؛ مثل قضايا التمويل وفرض البرامج الإدارية الجديدة، وتغير القوانين أو تغير طبيعة المستفتين إلى نحو ذلك.

ولا شك أن المؤسسات التي تُدرك نقاط قوتها وضعفها هي أفضل قدرة على تحسين واستغلال مصادر قوتها لصالحها، مما يعطيها مزيدًا من التفوق والازدهار، كما أنه بمجرد تحديد نقاط الضعف تتخذ المؤسسة خطوات لتقليل التأثير أو تحويلها إلى نقاط قوة.

ويعد من نقاط القوة لدى المؤسسة الإفتائية: اعتمادية المؤسسة الإفتائية لدى الدولة، وكفاءة العاملين بالمؤسسة، ووجود قاعدة شعبية كبيرة من المستفتين والثقة في الأداء المؤسسي، واستخدام التكنولوجيا الحديثة في العمل المؤسسي، ووجود ميزانية قوية للمؤسسة، إلى غير ذلك من نطاق القوة والكفاءات الأساسية التي تجعل مشروعًا ما أكثر احتمالية للنجاح والتفوق.

وفي مقابل ذلك تُعتبر نقاط ضعف في المؤسسة الإفتائية: تلك العوامل التي يمكن أن تضع العمل في وضع غير منتج وفعال وتمنعها من الأداء الأمثل، مثل: افتقار الموظفين للكفاءة، وعدم جاهزية البنية التكنولوجية مما يمنعها للوصول لقاعدة عريضة من المستفتين، أو انخفاض الوعي باعتمادية المؤسسة الإفتائية وضآلة قاعدة المستفتين لها، أو ضعف أو عدم اعتمادية الهيئة الإفتائية لدى الدولة، إلى غير ذلك من عوامل تحتاج المؤسسة إلى تحسينها لتبقى قادرة على العمل الإفتائي على أتم وجه وأكمل حال، وبالتالي تأخذ المصداقية من قبل المتعاملين معها.

ويمكن أن تُطرح عدة أسئلة تُساعد في تحديد نقاط الضعف لدى المؤسسة الإفتائية:

– ما الذي يمكن تحسينه في المؤسسة؟

– ما الذي يعتقد المستفتون أن المؤسسة بحاجة إلى تحسينه؟

– ما هي الأشياء التي يُحتاج إلى تجنبها([28])؟

وبمجرد الإجابة عن هذه الأسئلة وتحديد نقاط ضعف المؤسسة، تبدأ في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة تلك العوامل، وتحويلها إلى نقاط قوة؛ لتطوير استراتيجيات وأهداف العمل الإفتائي.

أيًّا ما كان نقاط الضعف في المؤسسة وجب البحث والعمل على إيجاد الحلول اللازمة لذلك، إلا أن من أهم النقاط التي يجب التركيز عليها داخل المؤسسات الإفتائية هو التأهيل والتدريب المستمر للمفتين والباحثين المختصين بالخطاب الإفتائي.

فإن إعداد الدورات التدريبية والبرامج التأهيلية هي سمة من سمات هذا العصر في كافة العلوم والتخصصات على اختلاف أنواعها وأشكالها، ومنها علم الفتيا، فهي بجانب كونها علمًا متفرعًا من علم الفقه إلا أنها فن، وصنعة، ودربة، وموهبة ومهارة، تحتاج إلى فهم واسع واستيعاب جيد لواقعها، ومن ثمَّ إلى حسن تدريب وإعداد. فالإفتاء صنعة معقدة لا يحسنها كل أحد كما أوضحنا سابقًا، ومن ثمَّ فحسن إعداد من يتصدى لهذه المهمة واجب ضروري.

ويجب أن يتم إعداد المفتين وتدريبهم بصورة دورية، وذلك عن طريق دورات وبرامج يقوم بإعدادها والتدريس فيها علماء أكفاء مجتهدون، مشهود لهم بالعلم، يكونون على قدر من الإلمام بعلوم العصر المختلفة، فضلا عن علوم الشريعة والعلوم المساعدة، يتقنون أدب الخلاف، وأمور الترجيح والموازنة والتخريج على النصوص، وهم بجانب ذلك قادرون على مراعاة مصالح الأمة، واقفون على أولوياتها، دائمو الانشغال بقضاياها الكبرى، بعيدون عن التحيز المذموم لمذهب معين، أو التعصب والتشدد لرأي بعينه.

كما يشارك في التدريب أساتذة متخصصون في مهارات التواصل الاجتماعي والتربية والتاريخ وعلم النفس، إلى غير ذلك من العلوم الإنسانية والاجتماعية والكونية الأخرى؛ وذلك بغية ضبط القدر الذي يحتاج في الفتوى([29])، وإتقان المفتي لأدب الحوار، وكيفية التعامل مع الآخرين، ودراسة إمكانات المستفتي وحالته النفسية؛ فالفتيا لا تعتمد فقط على الإعداد العلمي، بل لا بد من الإعداد المهاري والنفسي؛ لذا فيمكن لتحقيق هذا المبتغى أن تستعين مؤسسات وهيئات الإفتاء بخبراء ومستشارين من هذه التخصصات يساعدون في تدريب المفتين وإعدادهم في هذه النواحي([30]).

فحتى يكون التأهيل لوظيفة الإفتاء مناسبًا إذًا لإشكالات العصر ومستجداته، “تتعيَّن المزاوجة في البرامج المعدة لذلك: بين التأهل النظري المستند إلى المادة الشرعية التراثية، والتكوين التطبيقي المستند إلى علوم ومعارف العصر المتعلقة بتلك الإشكالات”؛ ليكون لدى مؤسسات الفتوى مفتون قادرون على “الاجتهاد والفتوى في قضايا العصر المتجددة، وهو مستوى العالمية الذي يعطي لصاحبه حق وراثة النبي في أداء واجب البيان والتبليغ عن الله سبحانه وتعالى”؛ كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((العلماء ورثة الأنبياء))([31])([32]).

لذا “تحرص دار الإفتاء المصرية حرصًا شديدًا على تحقق علمائها وأمناء الفتوى والباحثين الشرعيين بها بسمات وشروط أهلية الفقه والاجتهاد الجزئي؛ من خلال عقد دورات تدريبية تأهيلية لمهارات الإفتاء تشمل العلوم الشرعية والمواد المساعدة لها، وفق تبني منظومة من المفاهيم التدريبية الحديثة المستقاة من أفضل مناهج التدريب المعاصرة.

كما توفر دار الإفتاء لعلمائها وباحثيها دورات تعرف بـ”التدريب الراقي” الذي يتم فيه التعريف بالواقع من جميع جهاته؛ لإدراكه والإحاطة التامة به”([33]).

فالموارد البشرية تلقى اهتمامًا متزايدًا من المؤسسات المعاصرة باعتبارها حجر الأساس في التنمية والتطوير وتفعيل الاستخدام المناسب للتقنيات والموارد المتاحة للمؤسسات؛ حيث إن المورد البشري هو مصدر الأفكار والأداة الرئيسة في تحويل الأفكار إلى منتجات وخدمات.

ولا تختلف المؤسسات الإفتائية عن غيرها من حيث اهتمامها بأهم عناصر مواردها البشرية؛ ألا وهم المتصدرون للفتوى، فوجب الاهتمام بهم وتأهيلهم وتدريبهم على نحو يجعل هؤلاء المتصدرين للفتوى يُساهمون مساهمة فعالة في تحقيق رسالة المؤسسة الإفتائية إذا توفرت الظروف الإيجابية لهم، وأهمها:

1- أن يُسند إلى المتصدر للفتوى العمل المناسب لتخصصه وعلمه ومهارته وخبراته.

2- أن يُسمح للمتصدر للفتوى بقدر من السلطة المناسبة مع المسؤولية التي يتحملها حين ممارسة الإفتاء.

3- أن يعمل المتصدر للفتوى في مجموعة عمل متجانسة.

4- أن تعمل المؤسسة الإفتائية على تمهيد الطريق لتلبية تطلعات وطموحات المتصدرين للفتوى.

5- أن يحصل المتصدر للفتوى على التوجيه الإيجابي والإشراف المساند من رؤسائه.

ويتكامل في اهتمام المؤسسة الإفتائية بالمتصدرين للفتوى عنصر التخطيط وعنصر التنمية ليُمثِّلا زاويتي إدارة الموارد البشرية([34]).

تطبيق إدارة الجودة في المؤسسات الإفتائية:

يعد من أهم مداخل الإدارة الحديثة المتبعة هو “مدخل إدارة الجودة”، وهو مفهوم معاصر يدل على تميُّز المنتَج أو الخدمة المقدمة وبلوغها درجة عالية من الإتقان يجعلها تلبي الاحتياجات المطلوبة بشكل صحيح ومضمون، ولتطبيق هذا المدخل في المؤسسات الإفتائية فوائد عدة، لعل أهمها الوفاء بمتطلبات المجتمع من الرأي الديني الصحيح المنضبط، وتمكين إدارة المؤسسة من تحليل المشكلات بالطرق العلمية الصحيحة والتعامل معها من خلال الإجراءات التصحيحية والوقائية لمنع حدوثها مستقبلًا مع رفع كفاءة المتصدرين للفتوى.

وتطبيق مفهوم إدارة الجودة في المؤسسات الإفتائية بهذا المعنى يستلزم بعض المتطلبات التي تسبق البدء بتطبيقها حتى يمكن إعداد العاملين والمتصدرين للفتوى وتهيئتهم لقبول الفكرة ومن ثَم السعي نحو تحقيقها بفعالية وحصر نتائجها المرغوبة.

ومن أهم هذه المتطلبات، ما يلي:

1- دعم رئيس هيئة الإفتاء: رئيس هيئة الإفتاء هو أعلى جهة في المؤسسة الإفتائية والمعني بإصدار القرارات الأساسية وإقرار السياسات العامة في المؤسسة، ويُعَد إيمان رئيس هيئة الإفتاء بأن النجاح يتصل اتصالًا مباشرًا بالتحسين الدائم للجودة أهم عنصر في عملية التحسين عمومًا، فعلى رئيس هيئة الإفتاء أن يُحدد رؤية مستقبلية واضحة مبنية على الحقائق مع إعطاء المثل والقدوة لجميع العاملين، ويمتد ذلك إلى فهم حاجات المستفتي في ظل المجتمع واستيعابها، ودعم العاملين لاتخاذ القرارات المناسبة، وتشجيع المشاركة الإيجابية وتحفيزها، وتطوير قنوات الاتصال وتدعيمها، وتطوير أساليب التدريب والتعليم، والعمل على الإفادة الكاملة من إمكانات العاملين، وبناء الثقة مع العاملين، إلى نحو ذلك.

2- إعادة تشكيل ثقافة المؤسسة الإفتائية: إن إدخال أي مبدأ جديد في المؤسسة يتطلب إعادة تشكيل لثقافة تلك المؤسسة؛ حيث إن قبول أو رفض أي مبدأ يعتمد على ثقافة ومعتقدات الموظفين في المؤسسة، وإن ثقافة الجودة تختلف اختلافًا جذريًّا عن الثقافة الإدارية التقليدية، وبالتالي يلزم إيجاد هذه الثقافة الملائمة لتطبيق مفهوم إدارة الجودة، وذلك بتغيير الأساليب الإدارية، وعلى العموم يجب تهيئة البيئة الملائمة لتطبيق هذا المفهوم الجديد بما فيه من ثقافات جديدة.

3- تفويض السلطة: ويُقصَد بذلك نقل كل من السلطة والمسؤولية إلى العاملين بنسب متساوية وبمسئوليات محددة ومعروفة حتى يكون إنجاز العمل جيدًا والمحاسبة عليه في حال التقصير واضحة.

4- الترويج وتسويق برنامج إدارة الجودة: إن نشر مفاهيم ومبادئ إدارة الجودة لجميع العاملين في المؤسسة الإفتائية أمر ضروري قبل اتخاذ قرار التطبيق، وتسويق برنامج إدارة الجودة يساعد كثيرًا في التقليل من المعارضة للتغيير والتعرف على المخاطر المتوقعة بسبب التطبيق حتى يمكن مراجعتها، ويتم الترويج للبرنامج عن طريق تنظيم المحاضرات أو الدورات التدريبية للتعريف بمفهوم الجودة وفوائدها على المؤسسة الإفتائية.

5- بناء فرق العمل: تقوم إدارة المؤسسة الإفتائية بتشكيل فرق العمل داخلها لحل المشكلات المعقدة التي يلزم تبادل الرأي حولها، خاصة عندما يكون استشعار الروح الجماعية مرغوبًا فيه، بهدف تحسين جودة القرار وتحسين جودة الاتصالات وإيجاد التماسك بين أعضاء الفريق. ويتكون كل فريق عمل من خمسة إلى ثمانية أعضاء من الأقسام المعنية مباشرة أو ممن يؤدون فعلًا العمل المراد تطويره والذي سيتأثر بنتائج المشروع، ولا بد لكل فريق عمل من قائد يتمتع بصفات قيادية.

6- التعليم والتدريب: حتى يتم تطبيق مفهوم إدارة الجودة بالشكل الصحيح فإنه يجب تدريب وتعليم المشاركين بأساليب وأدوات هذا المفهوم الجديد حتى يمكن أن يقوم على أساس سليم وصلب، وبالتالي يؤدي إلى النتائج المرغوبة من تطبيقه، وهذا التدريب يجب أن يكون موجهًا لجميع فئات ومستويات الإدارة (مديري الإدارات، ورؤساء الأقسام، والمتصدرين للإفتاء، والباحثين، والموظفين الإداريين).

7- الاستعانة بالاستشاريين: الهدف من الاستعانة بالخبرات الخارجية من مستشارين ومؤسسات متخصصة عند تطبيق برنامج إدارة الجودة هو تدعيم خبرة المؤسسة ومساعدتها في حل المشاكل التي ستنشأ وخاصة في المراحل الأولى.

8- التشجيع والتحفيز: إن تقدير الأفراد نظير قيامهم بعمل عظيم سيؤدي حتمًا إلى تشجيعهم وزرع الثقة وتدعيم هذا الأداء المرغوب، وهذا التشجيع والتحفيز له دور كبير في تطوير برنامج إدارة الجودة في المؤسسة الإفتائية واستمراريته؛ فيجب على المؤسسة الإفتائية أن تبني برنامج حوافز -بشقيه: المادي والمعنوي- فعّالًا ومرنًا يخلق جوًّا من الثقة والتشجيع والشعور بالانتماء للمؤسسة وبأهمية الدور الموكل إليهم في تطبيق برنامج إدارة الجودة.

9- التعرف على الهيكل التنظيمي للمؤسسة: يتطلب تطبيق “إدارة الجودة” بنجاح وجوب التعرف بادئ ذي بدء على الهيكل التنظيمي الحالي للمؤسسة أو الهيئة الإفتائية. والهيكل التنظيمي يتكون في شكله التقليدي من ثلاثة مستويات:

المستوى الأول: مستوى الإدارة العليا. وهم القائمون بوضع السياسة العليا للمؤسسة أو الهيئة الإفتائية؛ كمفتي الديار المصرية ومفتي المملكة العربية السعودية ونحوهما.

المستوى الثاني: مستوى الإدارة الوسطى، وهم الجهاز الإشرافي.

المستوى الثالث: مستوى المتصدِّرين للإفتاء والباحثين وغيرهم من العاملين في المؤسسة أو الهيئة الإفتائية المنفذين للعمليات الخدمية من البداية للنهاية ([35]).

تقييم أداء المؤسسة الإفتائية

وفي إطار تأهيل المؤسسات الإفتائية لا بد أن يكون هناك تقييم لأداء المؤسسة الإفتائية، وذلك بقياس مدى كفاءة وجودة المؤسسة الإفتائية في مجال تحقيق أهدافها العامة والقانونية والاستفادة من هذه البيانات من خلال التحليل والدراسة لأغراض تحسين مستوى أداء المؤسسة الإفتائية.

فالتقييم المؤسسي هو عملية استراتيجية تعتمدها المؤسسة الإفتائية بغرض تحديد الفارق أو ما يعرف بفجوة الأداء بين ما هو مُطبَّق وما هو مخطط له، تتم باستخدام مجموعة من المعايير والمؤشرات والمقاييس، بغية استخلاص النتائج الواجب اتباعها لتقليل الفجوة وتحسين الأداء خلال الفترة الزمنية القادمة، كما تساعد في تحديث وتعديل أهداف جديدة للمؤسسة الإفتائية يسهل تحقيقها دون إحداث فجوة في الأداء.

أهداف تقييم أداء المؤسسة الإفتائية:

هناك العديد من الأهداف التي تسعى المؤسسات الإفتائية إلى تحقيقها من خلال تطبيقها لعملية تقييم الأداء، ومن أهمها:

1- المساعدة في التحقق من مدى قدرة المؤسسة في تحقيق أهدافها المحددة؛ فمن خلال توفر مجموعة من المعايير والمقاييس المستخدمة لتقييم الأداء يمكن أن يتم تحديد الفارق بين ما هو مخطط وما تم إنجازه فعليًّا، وبالتالي تحديد نقاط القوة والضعف لدى المؤسسة([36]).

2- إن عملية تقييم الأداء تسلط الضوء على مدى الكفاءة في استغلال الإدارة لكافة الموارد المتاحة لها، ويتم ذلك من خلال استثمار الموارد البشرية بصورة أفضل والحد من إهدار الموارد المادية من خلال تقليل التكاليف والنفقات بما لا يؤثر على جودة الخدمة المقدمة.

3- تساعد رئيس هيئة الإفتاء في معرفة ما يحتاجه لتحقيق أداء عالٍ يتناسب مع أهدافه الموضوعة؛ فنماذج التقييم تشتمل على مجموعة أسس تساهم في تحديد الطريق الصحيح لرفع كفاءة الأداء، والتي إن تم اتباعها فإنها تساهم في تحسين مستوى الأداء لدى المؤسسة الإفتائية.

4- المساهمة في تطوير الأقسام الداخلية للمؤسسة الإفتائية؛ وذلك من خلال تشخيص مشاكل ومعيقات كل قسم داخل المؤسسة ومحاولة معالجتها بعد تقويمها من خلال أسس ومعايير محددة.

5- خلق جو من التنافس بين كافة الأقسام المختلفة داخل المؤسسة الإفتائية من خلال تعزيزها لمبدأ الثواب والعقاب.

6- تحقيق رضا الله سبحانه وتعالى ثم رضا المستفتين؛ وذلك بمواكبة التطور من أجل الاستمرار في تقديم الحكم الشرعي الصحيح من خلال توفير مجموعة من المعايير لقياس مطابقة الفتاوى للمناهج ولقياس مدى رضا المستفتين عن الخدمة المقدمة.

ولا ريب أن مما يتعلق بتقييم أداء المؤسسة الإفتائية مستوى آخر من التقييم، وهو تقييم الأداء الفردي، وهو الذي يتضمن كل فرد من العاملين في المؤسسة الإفتائية؛ وذلك من خلال وضع بعض الأسس والمعايير لتقييم الأداء الفردي المنبثق من تحليل الوظائف التي يقوم بها العاملون، ويعتبر هذا التقييم حجر الأساس لتقييم الأداء ككل.

فتقييم أداء المؤسسة الإفتائية يتأثر ويؤثر في تقييم الأداء الفردي؛ فهما يشتركان في الأهداف العامة لعملية تقييم الأداء كمعرفة نقاط القوة والضعف في الأداء للفرد والمؤسسة، كما أنها تعتبر عمليات متكاملة؛ وذلك لأن تقييم أداء المؤسسة يحتاج لتقييم أداء الأفراد داخلها([37]).

نعود فنقول: إن على مؤسسات الإفتاء الرسمية دورًا كبيرًا نحو إصدار خطاب إفتائي منضبط بالمعايير المنصوص عليها والمستوحاة من أصول الشريعة الإسلامية، ويجب عليها القيام بتحديد الضرورات في هذا الإطار وإنارة الطريق أمام المجتمعات المسلمة؛ لتحقيق رضا الله سبحانه وتعالى ثم رضا المستفتين.

وعلى المستفتين الرجوع إليهم والاحتكام لهم عن طريق الاستفسار والاستعلام عن كل ما يعرض لهم وما يستجد لهم من نوازل ووقائع مما يتعلق بشؤون دنياهم وأخراهم؛ لما يمتازون به من مرجعية ثابتة ومقررات ثابتة راسخة لاعتماد الفتاوى الصادرة منها؛ بغية إصدار فتيا منضبطة المعالم والمفاهيم.

من ذلك دار الإفتاء المصرية؛ فإن لدار الإفتاء المصرية منهجًا محددًا لاعتماد الفتوى، ويتمثل هذا المنهج فيما يلي([38]):

1- نقل المذاهب السنية الأربعة المعروفة المشهورة (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) مع الاستفادة من المذاهب الأخرى، والاستئناس بها، بل وترجيحها أحيانًا لحاجة الناس، أو لتحقيق مقاصد الشرع، وهي تلك المذاهب التي يتبعها بعض المسلمين في العالم أصولًا وفروعًا، وهي: (الجعفرية والزيدية والإباضية) بل والظاهرية التي يؤيدها مجموعة من العلماء هنا وهناك.

2- اتساع دائرة الاستفادة في الاختيارات الفقهية؛ لتشمل مذاهب المجتهدين العظام كالأوزاعي والطبري والليث بن سعد، وغيرهم في أكثر من ثمانين مجتهدًا في التاريخ الإسلامي، من حيث الاستئناس بآرائهم، وترجيحها في بعض المسائل؛ لقوة الدليل أو لشدة الحاجة إليها أو لمصلحة الناس أو لتحقيق مقاصد الشرع الشريف، وهو المنهج الذي ارتضته الجماعة العلمية في عصرنا هذا شرقًا وغربًا وعند العقلاء من جميع مذاهب المسلمين.

3- اللجوء أحيانًا إلى استنباط الأحكام من النصوص الشرعية بالكتاب والسنة مباشرة؛ فإن نصوص الشرع أوسع من كل ذلك، فهي أوسع من المذاهب الثمانية، ومن الثمانين مجتهدًا، وشرط ذلك أن تكون النصوص محتملة هذا الاستنباط بالضوابط المعتبرة التي وضعها الأصوليون في ذلك.

4- تلتزم دار الإفتاء بمقررات المجامع الإسلامية، وعلى رأسها هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومجمع البحوث الإسلامية، ومجموع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي بجدة، خاصة في القضايا العامة من الأمور المستحدثة التي تشتدُّ حاجة الناس للفصل فيها بشكل جماعي.

5- يتم التركيز في المسائل الخلافية على الأقوال التي تكون أرفق بأحوال الناس وأوفق لأعرافهم وعاداتهم.

6- الالتزام بما سبق وصدر عن الدار من اختيارات للفتوى باعتبارها مؤسسة إفتائية عبر العصور، بحيث لا يحصل أي تعارض بين السابق والحالي، ولا تعارض ما صدر عنها إلا لتغير الجهات الأربع التي تستلزم التغير في الفتوى (الزمان- المكان- الأحوال- الأشخاص)، وذلك في الأحكام المبنية على الأعراف والعادات، أو الأحكام الاجتهادية المختلف فيها بين العلماء.

7- مراعاة ما عليه قوانين البلاد المصرية؛ حتى لا تتعارض فتوى المفتي مع قضاء القاضي.

8- مراعاة الوسطية في الفتوى من خلال الفهم الصحيح لهذا الدين الخاتم وأدلته من غير إفراط ولا تفريط، فلا تنحو نحو التشدد ولا إلى التفلت.

9- اللجوء إلى المختصين وأهل الخبرة، كلٌّ في مجال فنه واخصاصه؛ لاستجلاء وبيان صورة المسألة والوقوف على حقيقتها وفهم واقعها والإلمام بجميع أبعادها وملابساتها؛ ليتسنى له تنزيل الحكم الشرعي الصحيح، إذا ما تعلقت النازلة أو المسألة المسؤول عنها بإحدى المجالات ذات الطابع التخصصي؛ كالطب أو الاقتصاد أو السياسة أو الفلك إلى غير ذلك.

10- الالتزام بأنه لا فتوى في أي مسألة أو موضوع يكون محل نظر في القضاء، إلا حينما يطلب القاضي بموجب خطاب رسمي استيضاح الرأي الشرعي في القضية أو المسألة المعروضة عليه.

11- المحافظة على السلم الاجتماعي واستقرار المجتمعات؛ بمخاطبة الناس بما يعرفون، وإصدار فتاوى بصيغة محكمة وبأسلوب دقيق بعيدًا عن الإبهام وإيقاع المستفتين في الحيرة والارتياب.

12- اتباع بعض الإجراءات التي تضمن سلامة الفتوى، كنحو: الالتزام بشرط السماع المباشر من الزوج في مسائل الطلاق، واشتراط حضوره هو وزوجته إلى مقر الدار للسماع منه والوقف على ظروف وملابسات الطلاق، ونحو: الالتزام بعدم السماع إلا من ذي صفة في المسائل محل الفتوى المتعلقة بالمواريث.

 

 

 

المطلب الثالث:

تنظيم عملية الفتوى

لما بات مجال الإفتاء مفتوحًا للخوض فيه والمتاجرة به من الدخلاء عليه والأدعياء له، بتصدر أمثال هؤلاء من غير المتخصصين بالفتوى للإفتاء، كثرت الفتاوى الشاذة والمضطربة، وكان ذلك من أحد أهم الأسباب الأساسية الداعية لهذا الاضطراب والشذوذ والفوضى والتخبط في العملية الإفتائية؛ وذلك “لأنهم لا يعرفون، ولا يسكتون، بل يشغبون، وفي كل وادٍ يهيمون، ويكثرون من الضجيج، ويستخدمون من الألفاظ أبشعها، ومن المعاني أفحشها، ومن الأصوات أنكرها، ويتهمون العلماء، ويصدون الناس عنهم بأكاذيب وأباطيل، وينسبون أنفسهم إلى العلماء وليسوا منهم”([39])، يقول ابن حزم: “لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها؛ فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون”([40]).

والأمر لا يقتصر فقط على التنبيه والتنويه على وجوب اقتصار مجال الفتوى على أهلها من أهل العلم من الفقهاء والمجتهدين المؤهلين له، بل لا بد من ضبط وإحكام هذا المجال الخطير بتشريع ينظم علمية الفتوى بما يضمن السلامة الإفتائية، أي “الفتوى المنضبطة” الصحيحة، الموافقة لشرع الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، مما يعود بالنفع والاستقرار على الفرد والمجتمع.

إذ إن الآثار السلبية لظاهرة الفتوى المضطربة لا تقتصر على مجرد إطلاق بعض الفتاوى الشاذة من غير المتأهلين للفتوى وحسب، بل تمتد تلك الآثار إلى الجانب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأمني إلى غير ذلك؛ وهذه الفتاوى المضطربة -في الغالب الأعم- تساعد قطاعات عديدة من الجماعات المتطرفة لتدعم اتجاهاتها وتروج لها عن طريق تلك الفتاوى، مستغلين حالة الفوضى الإفتائية التي تحقق لهم البيئة المثالية لدعم أفكارهم ومعتقداتهم([41]).

ومن تصدر للفتوى وهو من غير أهلها -من غير ضرورة- كان عاصيًا آثمًا شرعًا؛ لأنه لا يعرف الحق والصواب، ومن أقره على ذلك فهو آثم أيضًا([42])؛ لما قد يترتب على ذلك من المفاسد والمضار التي لا تعد ولا تحصى.

والواجب على ولي الأمر -كما نص الأصوليون الأوائل- منع كل من لم يعرف بالعلم، أو جهل حاله، من الإفتاء([43])؛ حرصًا على دين الله تعالى، يقول ابن الجوزي -كما نقله عنه ابن حمدان وابن القيم-: “ويلزم ولي الأمر منعهم -أي الجهلة من المفتين- كما فعل بنو أمية”([44])؛ وذلك لأن هؤلاء الجهلاء الأدعياء لعلم الفتوى “بمنزلة من يدل الركب، وليس له علم بالطريق، وبمنزلة الأعمى الذي يرشد الناس إلى القبلة، وبمنزلة من لا معرفة له بالطب وهو يطب الناس، بل هو أسوأ حالًا من هؤلاء كلهم، وإذا تعين على ولي الأمر منع من لم يحسن التطبب من مداواة المرضى، فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنة، ولم يتفقه في الدين؟”([45]).

كما نص الفقهاء على أن لولي الأمر أن يتصفح أحوال المفتين: فمن صلح للفتيا وكان أهلا لها أقره، ومن لا يصلح لها أو كان يفتي بالأغراض الفاسدة منعه، ونهاه أن يعود إليها، وتوعده بالعقوبة إن عاد لها؛ يقول الخطيب البغدادي: “ينبغي لإمام المسلمين أن يتصفح أحوال المفتين، فمن كان يصلح للفتوى أقره عليها، ومن لم يكن من أهلها منعه منها، وتقدم إليه بأن لا يتعرض لها وأوعده بالعقوبة؛ إن لم ينتهِ عنها”([46]).

والواجب إذًا حتى نقضي على عشوائية وفوضى الفتاوى المضطربة في الوقت الحاضر، أن يصدر ولي الأمر تشريعًا قانونيًّا بإبعاد غير المتخصصين عن مجال الإفتاء، وتجريم صدور الفتاوى بكافة أنواعها وأشكالها، من غير أهل الاختصاص ومعاقبة الفاعل بعقوبات رادعة تمنعه وغيره من الإقدام عليها، ويجب أن يتضمن التشريع منع المؤهلين المتخصصين أيضًا في علوم الشريعة من إصدار الفتاوى المتعلقة بالشأن العام؛ حيث إنها من اختصاص القائمين على الإفتاء كدار الإفتاء المصرية، ولا بأس من قيام هؤلاء العلماء المؤهلين للفتوى بإفتاء الناس في أمورهم ومسائلهم الخاصة التي لا يضر اختلاف الامتثال فيها من شخص لآخر، كالمفطرات في الصيام، وقضاء الصلاة والصوم، إلى نحو ذلك من المسائل ذات الطابع الشخصي.

وهذا الإلزام والتحديد والتنظيم للعملية الإفتائية، وقصر الفتوى على المختصين بها، لا مانع منه شرعًا، ولا يتعارض مع حرية الرأي والتعبير المكفولة لأفراد المجتمع، بقدر ما أنه تقنين للمجال الإفتائي، وتعظيم الاستفادة من هذا المجال الحيوي الخطير، وعدم استخدامه في الهدم والتخريب وإلحاق المشقة بالعباد؛ فإذا كان الشرع لا يصادر حرية الرأي التي لا تتعارض مع النظام العام للمجتمع، إلا أنه في الوقت ذاته يدعو إلى عدم الخوض في الإفتاء إلا من ذويها المختصين بها من أهل العلم والمعتبرين، وقد أعطى الشرع الحنيف لولي الأمر وضع القوانين التي تساهم في المحافظة على النظام العام بما يكفل حفظ المقاصد الكلية الخمسة (الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال)، وبما لا يتصادم مع نصوص الشريعة الغراء ومقاصدها، ويدخل في ذلك تنظيم العلمية الإفتائية وقصرها على فئة محددة.

فالفتوى ليست رأيًا، حتى يكون لها تعلق بحرية الرأي والتعبير، ولا حرية فيها أصلا، وإنما هي مُحكمة بضوابط وأحكام، لا غنى عنها، والمفتي مقيد فيما يفتي به بأدلة الشرع الحنيف وقواعده الكلية، ولا يسمح له بحال من الأحوال أن يلقي الأحكام على عواهنها بحسب هواه ومشتهاه، أو يفتي بغير علم أو من غير تأهل، والأشد من ذلك هو تعمد التحريف والتلاعب بأحكام الله القطعية، وتأييد الظلم والظلمة، فإن فعل ذلك وجب على ولي الأمر منعه ومعاقبته بما يراه مناسبًا زجرًا له وردعًا لأمثاله، وهذا ما نص عليه الفقهاء منذ القدم.

من ذلك ما ذهب إليه الحنفية من الحجر الإفتائي على المفتي الماجن([47])، أو المفتي الجاهل، ومنعهما من الإفتاء دفعًا للضرر، وحفاظًا على دين الله عز وجل؛ يقول السرخسي: “وحكي عنه -أي الإمام أبي حنيفة- أنه كان يقول: “لا يجوز الحجر إلا على ثلاثة: على المفتي الماجن([48])، وعلى المتطبب الجاهل، وعلى المكاري المفلس؛ لما فيه من الضرر الفاحش إذا لم يحجر عليهم، فالمفتي الماجن يفسد على الناس دينهم، والمتطبب الجاهل يفسد أبدانهم، والمكاري المفلس يتلف أموالهم، فيمتنعون من ذلك دفعًا للضرر””([49]).

وهو ما أكد عليه ابن نجيم وغيره؛ حيث قال: “يجوز الحجر على البالغ العاقل الحر عند أبي حنيفة رحمه الله في ثلاث: المفتي الماجن، والطبيب الجاهل، والمكاري المفلس؛ دفعًا للضرر العام”([50]).

فالمفتي الماجن أو الجاهل –في كلام الإمام أبي حنيفة- هو الذي يفتي الناس عن جهل، أو يعلمهم الحيل الباطلة، ولا يبالي بما يفعل من تحليل الحرام أو تحريم الحلال([51]).

والمقصود بالحجر على المفتي هنا هو الحجر بمعناه الحسي ومنعه من مزاولة مهنة الإفتاء -الحجر العلمي، أو الحجر الإفتائي- وليس المراد منه حقيقة الحجر بالمعنى الشرعي الذي يمنع نفوذ جميع التصرفات؛ يقول الكاساني: “ألا ترى أن المفتي لو أفتى بعد الحجر، وأصاب في الفتوى جاز، ولو أفتى قبل الحجر وأخطأ لا يجوز، وكذا الطبيب لو باع الأدوية بعد الحجر نفذ بيعه، فدل أنه ما أراد به الحجر حقيقة، وإنما أراد به المنع الحسي، أي: يمنع هؤلاء الثلاثة عن عملهم حسًّا؛ لأن المنع عن ذلك من باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ لأن المفتي الماجن يفسد أديان المسلمين، والطبيب الجاهل يفسد أبدان المسلمين، والمكاري المفلس يفسد أموال الناس في المفازة، فكان منعهم من ذلك من باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لا من باب الحجر -الحقيقي-“([52]).

ويقول ابن القيم: “إذا سئل -المفتي- عن تفسير آية من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فليس له أن يخرجها عن ظاهرها بوجوه التأويلات الفاسدة لموافقة نحلته وهواه، ومن فعل ذلك استحق المنع من الإفتاء والحجر عليه، وهذا الذي ذكرناه هو الذي صرح به أئمة الإسلام قديمًا وحديثًا”([53]).

فالمفتي الذي يفتي الناس عن جهل وبدون علم، ويفتي بما يخالف الشرع لِغَرض أو هوى أو تشهٍّ، أو يعلم الناس الحيل الفاسدة، إلى نحو ذلك، فهو آثم متعدٍّ على أوامر الله تعالى ونواهيه، ويجب على ولي الأمر التصدي لأمثال هؤلاء؛ بتقنين تدابير احترازية وقائية، وأخرى زجرية عقابية.

وهو ما نص عليه فقهاء المالكية صراحة من حبس وتأديب المجترئ على الإفتاء إذا لم يكن أهلا لذلك([54])؛ فقد ذكر الإمام مالك عن شيخه ربيعة التابعي رضي الله عنهما أنه قال: “بعض من يفتي هاهنا أحق بالسجن من السراق”([55])، وسئل مفتي السادة المالكية بمصر المحروسة محمد عليش عن رجل يقول: إن الاستمرار في شرب الدخان أشد من الزنا، فماذا يلزمه؟ فأجاب بأنه: “يلزمه الأدب اللائق بحاله من توبيخ أو ضرب أو حبس أو قيد؛ لتجرئه على الأحكام الشرعية، وتغييره لها؛ فإن حرمة الزنا قطعية إجماعية ضرورية، وفي حرمة الدخان خلاف”([56]).

فلا بد إذًا في المفتي الذي يسمح له بمزاولة الإفتاء أن يكون ثقة مأمونًا، فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، غير متساهل في أمور الدين، متنزهًا عن أسباب الفسق ومسقطات المروءة، صحيح التصرف والاستنباط مستيقظًا؛ لأن من لم يكن كذلك فقوله غير صالح للاعتماد، وإن كان من أهل الاجتهاد([57]).

يتجلى مما سبق: أنه لا بد من إصدار تشريع يجرم الإفتاء لغير المختصين؛ للقضاء على فوضى الفتاوى المضطربة، ولكي يكون هناك منبر واحد مستنير للإفتاء يفتي الناس بعلم، ويستظلون بظله، ويرجعون إليه في كل ما يستجد لهم وما يشكل عليهم في أمور دينهم ودنياهم، ولا يسبب لغطًا وإشكالًا واضطرابًا لديهم، بحيث يكون لديه الدراية والخبرة والمهارة في صناعة الإفتاء.

وفي إطار العرض السابق ولأهمية وجود تقنين تشريعي ملزم ينظم العملية الإفتائية، فإننا نهيب بالمشرع المصري إصدار تشريع قانوني يتضمن الأُطُرَ القانونيةَ والإجرائيةَ للتصدي لظاهرة فوضَى الفتاوى المضطربة والشاذة، وتنظيم عملية الفتوى، وقصرها على المختصين بها من أهل العلم والاختصاص ممن يسمح لهم بمزاولة مهنة الإفتاء، ومنع غير المختصين من الحديث والخوض في هذا المجال، وتغليظ العقوبة (الحبس أو الغرامة، أو هما معًا) لكل مَن يصدر ويُطلق الفتاوى من دون تصريح له بذلك([58]).

وبذلك تكون الفتوى في القضايا العامة وخاصة المتعلقة بشأن الوطن لا تصدر إلا من الهيئة العامة لكبار العلماء بالأزهر الشريف أو دار الإفتاء المصرية، ويحظر التحدث فيها في وسائل الإعلام المختلفة لغير المتخصصين من أعضاء هيئة التدريس والدعاة؛ طالما أنهم غير مختصين بالعملية الإفتائية، كما تقتصر ممارسة الفتوى العامة عبر وسائل الإعلام على المصرَّح لهم بمزاولة مهنة الإفتاء؛ وذلك تجنبًا لتضليل الرأي العام، ونشر المغالطات، والاضطرابات في الفتاوى، ومن يخالف ذلك يعاقب بالعقوبات المقدرة له في القانون.

فإذا أردنا أن نقضي على ظاهرة فوضى الفتاوى المضطربة فلا بد إذًا من صدور هذا القانون على النحو السابق الإشارة إليه، وعلى وسائل الإعلام المختلفة عدم نشر تلك الفتاوى والآراء الشاذة التي تصدر من غير المتخصصين، والاقتصار على نشر الفتوى الصادرة من أهل الاختصاص بالفتاوى وعلومها، المرخص لهم بالإفتاء، ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب -إصدار القانون- بل على ولي الأمر متابعة تنفيذه، والتصدي لهؤلاء الأدعياء  الذين يثيرون الفتنة والتخبط والبلبلة والفرقة والاختلاف بين أبناء الوطن الواحد، بل بين أفراد الأسرة الواحدة؛ وذلك لأن الهدف المبتغى ليس فقط إصدار القوانين المنظمة للإفتاء، بل مراقبة العملية الإفتائية، والقضاء على الفتاوى المضطربة والشاذة؛ فإذا قام ولي الأمر باختيار وتعيين المختصين من أهل العلم في ضوء الضوابط والمعايير التي نص عليها الفقهاء، فإنه لا يمنع من أن يكون هناك من يراقبه، ويراقب حالة الإفتاء بصفة عامة، وهذا ليس حضًّا وتقليلًا من قدر المفتي، ولكن “حرصًا عليه، وعلى مصلحة الأمة، صحيح أن المجتمع والأمة تراقبه وتترقب ما يفتي به، فإن كان ثمة خطأ، أو تجاوز انتشر الأمر وذاع، ولكن لا يمنع ذلك من وجود مراقبة ومتابعة من هيئة كبرى من العلماء تراقبه”([59]).

قال ابن القيم: “كان شيخنا رضي الله عنه شديد الإنكار على هؤلاء، فسمعته يقول: قال لي بعض هؤلاء: أجُعلتَ محتسبًا على الفتوى؟ فقلت له: يكون على الخبازين والطباخين محتسب ولا يكون على الفتوى محتسب؟”([60]).

فلا شك أن وجود تشريع قانوني يمنع غير المختصين من الإفتاء –إذا تحققت فيه المنهجية المعتبرة وروعيت فيه المعايير والضمانات والضوابط التي نص عليها العلماء فيمن يتصدرون للإفتاء- يؤدي إلى انضباط الفتاوى الصادرة على المستوى الفردي والجماعي، والبعد عن التعارض والتضارب والشذوذ والتشدد في الفتوى، مما يحقق السلامة الإفتائية، ويساهم في تنقية وتجديد الخطاب الديني، ما يعود بالنفع على المجتمع، والحفاظ على هويته وثوابته الموروثة.

هذا وتطبيق فكرة قصر الإفتاء على المختصين قد تتطلب وقتًا؛ وذلك لأنها تستلزم تغيير ثقافة مجتمع درج على التحدث وإبداء الآراء في شتى المجالات بعلم وبدون علم، حتى أصبحنا نشاهد ونسمع العجائب والطرائف والغرائب على كافة المجالات، ليس الأمر مقتصرًا على المجال الإفتائي فحسب؛ لذا فلا بد من وجود حملات للتوعية والتنبيه بأهمية الاحتكام والرجوع إلى أهل كل علم وفن، كل في تخصصه ومجاله؛ للاستفسار والاستعلام منهم عن كل ما يشكل ويخفى مما يتعلق بمجال هذا الفن، وعلى رأس تلك الفنون والعلوم “المجال الإفتائي”؛ امتثالا للأمر الإلهي الوارد في قوله تعالى: {فَسۡ‍َٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} [النحل: 43]، وقوله جل شأنه: {وَإِذَا جَآءَهُمۡ أَمۡرٞ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡ} [النساء: 83].

 

 

 

([1]( ينظر: كلمة للدكتور مجدي عاشور، ضمن مقال بعنوان: “قانون تنظيم الفتوى.. هل يرى النور؟” تحقيق: خالد أحمد المطعني، منشور على بوابة الأهرام على شبكة الإنترنت: www/ ahram.org.eg.

([2]) سبق تخريجه.

([3]) صفة الفتوى، لابن حمدان، (ص6- 24)، مرجع سابق.

([4]( سبق تخريجه.

([5]( ذكره ابن الجوزي في “تعظيم الفتيا”، (1/ 128).

([6]( ينظر: صناعة الفتوى وفقه الأقليات، للشيخ عبد الله بن بيَّه، (ص147)، ط. دار المنهاج، الطبعة الأولى، 1428هـ- 2007م.

([7]( ينظر: تطوير المؤسسات الإفتائية: أسس وأساليب العملية الإفتائية، (ص39)، مجلة جسور العدد (20).

([8]( بناء منهجية الفتوى ومعايير نقدها، أ.د/ شوقي علام، (ص69)، بحث منشور ضمن مجلة الموطأ، العدد (1)، بتاريخ جمادى الآخرة 1439 هـ- مارس 2018م.

([9]( أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، (ص81-82)، مرجع سابق.

([10]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 166)، مرجع سابق.

([11]) ينظر: الوجيز في أصول الفقه الإسلامي، الدكتور محمد مصطفى الزحيلي، (2/ 381)، مرجع سابق.

([12]) البحر المحيط في أصول الفقه، للزركشي، (8/ 362)، مرجع سابق.

([13]) شرح الكوكب المنير، لابن النجار الحنبلي، (4/ 542)، مرجع سابق.

([14]) وفي الوقت الحاضر يعرف المفتي الأهل للفتوى بما يحمله من شهادات جامعية في مجال الفتوى وعلومها الشريعة.

([15]) المعيار المعرب والجامع المغرب لأبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي، (1/ 96)، دار الغرب الإسلامي.

([16]) مفتاح دار السعادة، لابن القيم (1/ 284)، ط. دار الكتب العلمية- بيروت.

([17]) ينظر: الإفتاء بغير علم وخطورته وعلاج هذه المشكلة، على موقع دار الإفتاء المصرية: www.dar-alifta.org.

([18]) مؤسسات وهيئات الإفتاء: هي مفهوم لم يعرف قديمًا لدى الفقهاء القدامى بهذا النص، وإنما عرفت الفتوى الجماعية، إلا أنه ظهر حديثًا عقب انتشار مبدأ تنظيم الفتوى، وجعلها في دوائر رسمية تابعة للدول، فأنشئت دار الإفتاء المصرية في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، ثم توالى بعدُ إنشاء دور وهيئات الفتوى في باقي دول العالم الإسلامي.

([19]) فقد ذكر الخطيب البغدادي أن الخلفاء من بني أمية كانوا ينصبون للفتوى بمكة في أيام الموسم قومًا يعينونهم، ويأمرون بأن لا يستفتى غيرهم. ينظر: الفقيه والمتفقه، للبغدادي، (2/ 378)، مرجع سابق.

([20]) ينظر: أهمية الإفتاء المؤسسي، للشيخ/ تركي عيسى المطيري، على موقع إدارة الإفتاء بالكويت على شبكة الإنترنت WWW.eftaa.moaiaco.com

([21]) المعلمة المصرية للعلوم الإفتائية، “التميز المؤسسي في دور وهيئات الإفتاء”، (10/ 20)، مرجع سابق.

([22]) ينظر: التميز المؤسسي في دور وهيئات الإفتاء، (10/ 20- 23)، مرجع سابق.

 

([23]) ينظر: نشأة الدار ومكانتها وتطورها، على موقع دار الإفتاء المصرية على شبكة الإنترنت: www.dar-alifta.org.

([24]) وللمزيد حول شرح تلك المهام، والوقوف على إدارات الــدار وأقسامهــا، ينظر المرجع السابق.

([25]) حيث تطور الإفتاء في الكويت من كونه متروكًا للعلاقة الطبيعية بين المستفتين والعلماء واستفتاء من شاء منهم، إلى إسناد الفتوى إلى أحد المشايخ في عهد الحاكم التاسع لدولة الكويت، في الفترة من (1916- 1920م)، ومع مرور الوقت تطور الإفتاء في الكويت، وذلك عندما أنشئت الإدارات الحديثة ونظمت الوزارات، وكان من الأهداف الأساسية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية توفير الجهة الرسمية التي تفتي الناس في أمور دينهم لضمان القيام بهذه المهمة، بالإضافة إلى تجنب ما يعتري نشاط الإفتاء الشعبي (الإفتاء غير المنظم) أحيانًا من الارتجال والتعارض للاعتماد فيه على المشافهة في السؤال والجواب، وعلى المعرفة الفردية، والجهد الخاص، وأدركت وزارة الأوقاف مسؤوليتها تلك فقام وكيلها يومذاك بتعيين لجنة للفتوى من ثلاثة أعضاء من خيرة العلماء الأكفاء، وبذلك شكلت أول لجنة رسمية للفتوى، ثم شكلت لجنة ثانية مكونة من أربعة أشخاص من العلماء الأفاضل، أحدهم من الكويتيين، وفي سنة 1976م عينت لجنة للفتوى بقرار وزاري مكونة من خمسة أعضاء من العلماء المختارين.

وكانت هذه اللجنة الخماسية تعمل بإخلاص كغيرها من اللجان السابقة، فتعقد جلستها الرسمية كل أسبوع لتجيب على أسئلة السائلين رسميين وشعبيين، ثم تصدر فتواها بعد فهم السؤال وهي مطمئنة مرتاحة إلى صحة الإجابة ودقتها.

وقد تطور العمل الإفتائي في الكويت من خلال اللجنة، حيث زاد عمل اللجنة وتوسع من مجرد الإجابة على مسائل معدودة ومراجعين قلائل في بداية الأمر، إلى الانتقال لكافة الأمور الحياتية، مع زيادة عدد المستفتين نتيجة الثقة المتنامية في نفوس الناس تجاه اللجنة؛ ونظرًا لذلك التوسع فقد صدر القرار الوزاري رقم 96 لسنة 1983م يقضي بإنشاء مكتب يشرف على أعمال لجنة الفتوى، ويتبع “مكتب الإفتاء”، ثم صدر بعد ذلك عدة قرارات وزارية منها القرار رقم 171 لسنة 1983م بتعديل تسمية لجنة الفتوى إلى الهيئة العامة للفتوى، كما أعيد تشكيل العاملين فيها لتضم ثلة كريمة من العلماء، كما نص القرار الوزاري نفسه على أن تتفرع عن هيئة الفتوى لجنتان: (الأولى: للأحوال الشخصية، والثانية: للأمور العامة)، ثم صدر القرار رقم 74 لسنة 1984م (بتحديد اختصاصات مكتب الإفتاء)، ثم صدور القرار الوزاري رقم 168 لسنة 1987م بتغيير اسم مكتب الإفتاء إلى “إدارة الإفتاء” مع وضع نظام لها، ومنذ ذلك الحين يتم غالبًا إعادة تشكيل هيئة الفتوى سنويًّا، وفي يوم 5/ 7/ 1995م صدر القرار الوزاري رقم (79/ 95) القاضي بتسمية الإدارة العامة للإفتاء والبحوث الشرعية باسم قطاع الإفتاء والبحوث الشرعية.

([26]) ينظر: موقع دار الإفتاء بالكويت على شبكة الإنترنت WWW.eftaa.moaiaco.com.

([27]) ببليوجرافيا مأسسة وصناعة الفتوى المعاصرة، مقال منشور ضمن مجلة دعم، العدد الخامس، (ص10).

 

 

([28]) ينظر: تطوير المؤسسات الإفتائية، مجلة جسور، العدد الحادي عشر، (ص33- 35).

 

([29]) ينظر: التأهيل الأكاديمي لوظيفة الإفتاء، للدكتورة/ وسيلة خلفي، (ص189)، مرجع سابق، وأصول الفتوى والقضاء، للدكتور محمد رياض، (ص253)، مرجع سابق.

([30]) ينظر: مشروع مقترح لضبط ممارسات الفتوى في الفقه الإسلامي، أ.د. معتمد علي أحمد سليمان (ص361- 362)، ورقة عمل مقدمة لمؤتمر الفتوى واستشراف المستقبل، مرجع سابق.

([31]) رواه أبو داود في “السنن”، (3/ 317)، والترمذي في “السنن”، (5/ 48).

([32]) التأهيل الأكاديمي لوظيفة المفتي، (ص184)، مرجع سابق.

([33]) الاجتهاد الجماعي وأثره في استقرار المجتمعات، أ.د/ شوقي علام، (ص19)، بحث منشور ضمن مجلة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، العدد الأول.

([34]) ينظر: تطوير المؤسسات الإفتائية، مجلة جسور، العدد الخامس، (ص41).

 

([35]) ينظر: تطوير المؤسسات الإفتائية، مجلة جسور، العدد الرابع عشر، (ص43- 45).

([36]) ولمساعدة المؤسسات الإفتائية على التحقق من مدى قدرتها في تحقيق أهدافها المحددة وعلى رفع الكفاءة في استغلال الإدارة لكافة الموارد المتاحة لها باستثمار الموارد البشرية من المتصدرين للفتوى بخاصة، ومساعدة رئيس هيئة الإفتاء في معرفة ما يحتاجه لتحقيق أداء عالٍ يتناسب مع أهدافه الموضوعة، والمساهمة في تطوير الأقسام الداخلية للمؤسسة الإفتائية من خلال تشخيص مشاكل ومعيقات كل قسم داخل المؤسسة ومحاولة معالجتها بعد تقويمها من خلال أسس ومعايير محددة.

لتحقيق ذلك كله يمكن للمؤسسة الإفتائية بعد ملء النموذج المعد لذلك-نموذج بيانات للتقييم الذاتي للمؤسسة الإفتائية- وإرساله لـ”وحدة الاستشارات الإدارية” التابعة للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم على البريد الإلكتروني التالي:

AdministrativeSupport@fatwaacademy.org

وهي وحدة تُعنَى بتأهيل دور وهيئات ومكاتب الإفتاء إداريًّا بهدف تحويلها لمؤسسات مطبقة للنظُم الإدارية الحديثة للارتقاء بعملية الفتوى والإفتاء وتقديم الاستشارات المعنية بذلك.

ينظر: تطوير المؤسسات الإفتائية، مجلة جسور، العدد الثامن عشر، (ص39).

([37]) ينظر: تطوير المؤسسات الإفتائية، مجلة جسور، العدد السابع عشر، (ص39- 40).

([38]) ينظر: منهج الفتوى في دار الإفتاء، على موقع دار الإفتاء المصرية: www.dar-alifta.org، والاجتهاد الجماعي وأثره في استقرار المجتمعات، أ.د/ شوقي علام، (ص23- 24)، مرجع سابق.

([39]) بناء منهجية الفتوى ومعايير نقدها، أ.د/ شوقي علام، (ص87)، مرجع سابق.

([40]) الأخلاق والسير في مداواة النفوس، لابن حزم الظاهري، (ص23)، مرجع سابق.

([41]) ظاهرة فوضى الإفتاء الأسباب والآثار، دعم (ص10).

([42]) ينظر: صفة الفتوى، لابن حمدان، (ص6- 24)، مرجع سابق، وإعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 166)، مرجع سابق.

([43]) ينظر: آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، للنووي، (ص17)، مرجع سابق، صفة الفتوى، لابن حمدان، (ص24)، مرجع سابق. شرح الكوكب المنير، لابن النجار الحنبلي، (4/ 544)، مرجع سابق.

([44]) صفة الفتوى، لابن حمدان، (ص24)، مرجع سابق، وإعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 166)، مرجع سابق.

([45]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 167)، مرجع سابق.

([46]) الفقيه والمتفقه، للبغدادي، (2/ 378)، مرجع سابق.

([47]) الشخص الماجن في اللغة هو: الذي لا يبالي بما يصنع، ولا بما قيل له. ينظر: لسان العرب، لابن منظور، (13/ 400)، مرجع سابق.

([48]) ذكر شيخ الإسلام خواهر زاده: والمفتي الجاهل وهما متقاربان، لأن ضررهما عام، وقال ابن الموقت الحنفي: “(المفتي الماجن) .. كذا في طريقة علاء الدين العالم، ولفظ خواهر زاده والمفتي الجاهل لعموم الضرر” ينظر: البناية شرح الهداية، لبدر الدين العيني، (11/ 90)، ط. دار الكتب العلمية- بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1420 هـ- 2000 م، والتقرير والتحبير، لابن أمير الحاج، (2/ 202)، ط. دار الكتب العلمية، الطبعة: الثانية، سنة، 1403هـ – 1983م.

([49]) المبسوط، للسرخسي، (24/ 157)، ط. دار المعرفة- بيروت، سنة 1414هـ – 1993م.

([50]) الأشباه والنظائر، لابن نجيم المصري، (ص75)، ط. دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، الطبعة: الأولى، سنة 1419هـ – 1999م، وينظر أيضًا: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للكاساني، (7/ 169)، مرجع سابق.

([51]) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للزيلعي، (5/ 193)، ط. المطبعة الكبرى الأميرية- بولاق، القاهرة، الطبعة: الأولى، سنة 1313هـ، وشرح التلويح على التوضيح، لسعد الدين التفتازاني، (2/ 92)، ط. مكتبة صبيح بمصر، وقواعد الفقه، لمحمد عميم الإحسان المجددي البركتي، (ص498)، ط. الصدف ببلشرز- كراتشي، الطبعة: الأولى، 1407هـ- 1986م، وعلم أصول الفقه، لعبد الوهاب خلاف، (ص201)، ط. مكتبة الدعوة- شباب الأزهر (عن الطبعة الثامنة لدار القلم).

([52]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للكاساني، (7/ 169)، مرجع سابق.

([53]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 189)، مرجع سابق.

([54]) ينظر: فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك، لابن عليش المالكي، (1/ 191- 2/ 297)، ط. دار المعرفة، والمعيار المعرب والجامع المغرب، للونشريسي، (2/ 502)، ط. دار الغرب الإسلامي.

([55]) سبق تخريجه.

([56]) فتح العلي المالك في الفتوى، لابن عليش، (1/ 191)، مرجع سابق.

([57]) ينظر: قواطع الأدلة في الأصول، لأبي المظفر السمعاني (2/ 306)، مرجع سابق، وأدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، (ص85)، مرجع سابق.

([58]) وذلك على غرار بعض البلدان، والتي منها دولة “ماليزيا”؛ إذ المؤسسة المنوط بها الفتوى في دولة ماليزيا هي دار الإفتاء، ويقوم برئاستها المفتي الفيدرالي الماليزي، وتلك الجهة هي الجهة المختصة بالفتوى، ولا يجوز لأحد أن يُفتي في ماليزيا وفقًا للقانون؛ إذ خول القانون حصر الفتوى في دار الإفتاء، وهو ما يجعل عملية الفتوى خارج دار الإفتاء معرضة لعقوبات قانونية، لذلك فإن الفتوى الرسمية هي المعتمدة، أما الفتاوى والآراء خارج دار الإفتاء فهي ليست ذات قبول لدى الشعب الماليزي، وقد صرح الشيخ ذو الكفل البكري المفتي الفيدرالي لدولة ماليزيا “بأن الفتوى في ماليزيا لا تصدر إلا من الجهة الرسمية، ولا بد لها من توافق وإجماع حولها لمنع الخلاف”. ينظر: الإفتاء في ماليزيا ودوره في حفظ التنوع الديني والإثني، بحث منشور في مجلة دعم، العدد الأول، (ص15).

([59]) مشروع مقترح لضبط ممارسات الفتوى في الفقه الإسلامي، لمعتمد سليمان (ص372)، مرجع سابق.

([60]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 167)، مرجع سابق.

اترك تعليقاً