البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الباب السادس: الفتوى وتنمية الأسرة.

الفصل الثاني: تنمية الأسرة.

86 views

إن التنمية الشاملة والمستدامة إنما تنطلق من تنمية الأسرة، باعتبار الأسرة هي الحاضن الأول للإنسان وهي نواة المجتمع، وحتى يتم تحقيق هدف تنمية الأسرة لابد أولًا من وضع خارطة طريق تشمل استراتيجية واضحة وسياسات محددة لهذه التنمية، ثم وضع خطط تنفيذية تشتمل على آليات وقائية وعلاجية وتنموية حتى تتم المعالجة الشاملة لمسألة تنمية الأسرة.

ويأتي في مقدمة هذه الآليات الجانب الوقائي؛ فالوقاية هي الوظيفة الأولى لجميع طرائق التنمية والإصلاح، وتتمثل الإجراءات الوقائية في استراتيجية تنمية الأسرة في أمور؛ منها:

  • تزكية الانتماء الأسري لدى طوائف المجتمع.
  • نشر الوعي بمختلف مناحيه؛ سواء الوعي الديني، والوعي باقتصاديات الأسرة، والوعي بالتربية الإيجابية، والوعي بأهمية العلم والتعلُّم، ونحو ذلك؛ فلا يمكن لنا أن نحقق أي تقدم على الصعيد الوقائي إلا بإدراك أهمية المعطَى الأساسي للفكر الإنساني، وأصل كل معارفه، وهو الوعي؛ فالأزمة الحقيقية التي تحول دون إنشاء جدار بيننا وبين مشكلاتنا الراهنة في التنشئة الأسرية هو غياب الوعي أو اضطرابه، وعليه فإن إدراك قيمة الوعي الحقيقي يقتضي منا العمل على نشر الوعي الصحيح على نطاق الأسرة. ونظرًا للتكوين الثقافي للأسر العربية والإسلامية وموقع الدين من ذلك التكوين فإن الوعي الديني من الأهمية بمكان في تحقيق الوقاية المؤدية للتنمية الشاملة؛ فالمفاهيم المغلوطة التي استقرت في وجدان هذه الأسر على الجانب الديني وساعد في استقرارها تراكمات معرفية نتيجة الاعتماد على مصادر دينية غير مؤهلة لنشر خطاب ديني واع ورشيد- أنتجت أنماطًا معيبة في التنشئة الأسرية، أثرت فيما بعد على سلوكيات العديد من أفرادها، وسهَّلت من مهمة المجموعات المتطرفة في نشر أفكارها.
  • نشر الثقافة بطرق غير تقليدية تُراعي السياق والمستويات الفكرية المختلفة في المجتمع.

وهذه الإجراءات الوقائية تأتي دائمًا في صدارة أدوات العمل التنموي وآلياته؛ شأنها في ذلك شأن العملية الوقائية في سائر المجالات؛ إلا أن المفاهيم الخاطئة التي تكونت بفعل بعض الأفكار والقناعات من جهةٍ وبفعل التشدد الدخيل على هذا المجتمعات الإسلامية من جهة أخرى زاد من تعميق العديد من الإشكالات التي مثَّلَت عائقًا أمام عملية تنمية الأسرة، ما اقتضى معه إجراءاتٌ علاجيةٌ نافذةٌ ومؤثرة تسير متزامنةً مع الإجراءات الوقائية؛ لأن تلك المشاكل المتجذرة دائمًا ما تكون آثارها قد تفشت بالفعل؛ مما يحتاج إلى علاجات ناجزة وفعالة.

إن الإشكالات الضخمة التي تراكمت في العقود الأخيرة كثيرة ومتشابكة؛ إلا أن هناك عدة مشكلات منها دامًا ما يطفو على السطح لانعكاساتها السلبية المتشعبة وأبرزها أزمة الطلاق عامة والطلاق المبكر خاصةً، والذي أصبح ظاهرة محيرة ومقلقة جدًّا؛ فتلك الزيجات التي تتفكك قبل استقرارها تُخلِّف دمارًا كبيرًا، اجتماعيًّا واقتصاديًّا ودينيًّا؛ بجانب العبء النفسي الكبير الذي يتركه الطلاق على الرجل والمرأة على حد سواء والأثر الأكبر المتمثل في الطفل الذي يُحكَم عليه بتلقي تربية منقوصة في أغلب الأحوال.

إن انتشار تلك الظاهرة وضع المجتمعات أمام أزمة حقيقية تحتاج علاجات لها تأثيرها السريع؛ فوجب تقديم المساعدة الملائمة للحفاظ على البيت الذي تكوَّن بالفعل وظهرت ملامحه قبل انهياره ويحتاج بشكل ضروري لإكمال وظيفته، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا من خلال غطاء تشريعي مناسب يحفظ لكل ذي حق حقه؛ وبخاصة الأطفال الناتجين عن ذلك الزواج، كما يحتاج إلى مساعدة مجتمعية لتجاوز آثار الطلاق النفسية والاجتماعية، ما يدفع في الاتجاه الصحيح في تربية الأولاد؛ بجانب تحسين عمليات اختيار الأزواج قبل الزواج لتحجيم تلك الظاهرة.

وتتمثل إجراءات العلاجية في سياق تنمية الأسرة في حصر القضايا الأساسية التي تمثل عائقًا أمام تنمية الأسرة على جميع الجهات ثم وضع الخطط والحلول في ضوء احتياجات المواطنين الحالية والمستقبلية.

ومن أهم المشكلات التي ينبغي التعامل معها:

  • مشكلة الطلاق المبكر والتي تمثل عقبة أمام بقاء الأسرة الذي هو أساس الانطلاق لتنميتها، والطلاق المبكر نابع عن ضعف الوعي بأهمية الأسرة وضعف تربية النشأ على تحمُّل المسئولية؛ فينبغي وضع الخطط الوقائية اللازمة لمنع هذه المشكلة من جذورها.
  • مشكلة زيادة معدلات الطلاق، وهي مشكلة أخرى لها آثار وخيمة مدمرة للأسرة وللمجتمع ككلٍّ.
  • مشكلة الزيادة السكانية التي تلتهم التنمية؛ فمن معوقات تنمية الأسرة الزيادة المُطَّردة في عدد السكان؛ فإنها كما تُعد عقبة في طريق تحقيق النمو الاقتصادي تُعد كذلك سببًا لنشر الفقر والجهل والمرض بما يعود بالسلب على تنمية الأسرة.

فلابد في مواجهة هذه المشكلات من وضع سياسات وخطط واضحة محددة بأُطر زمنية تحيطها الضمانات الكافية للتنفيذ والمؤشرات اللازمة للتأكد من تحقيق الأهداف والسياسات الكافية لإعادة التخطيط.

ولابد من الالتفات إلى أن لمنظمات العمل الأهلي دور كبير في سياق دعم الإجراءات الوقائية والعلاجية لتنمية الأسرة، ومن ذلك تفعيل دورها في التصدي للقضية السكانية، وأول خطوات تفعيل دور منظمات العمل الأهلي في التصدي للقضية السكانية هو العمل على بناء الوعي المجتمعي اللازم للتصدي لهذه القضية، وينطلق هذا البناء من تحديد أهداف التوعية بالقضية السكانية، ويمكن بيانها في أمور:

الأول منها: خلق الإدراك وزيادة الوعي بالقضية السكانية، يليه إمداد أفراد المجتمع بالمعلومات المُختلفة عن وسائل التصدي للانفجار السكاني، والثالث: الحثُّ على مُشاركة أفراد المجتمع في التصدي للقضية، ثم إكساب الفرد المعلومات والمهارات المختلفة ليكون معاونًا لمنظمات العمل الأهلي في التصدي للقضية السكانية

ومن هنا يأتي أوان الانطلاق لتنفيذ البرامج التوعوية حول اتخاذ الوسائل اللازمة للمشاركة في الحد من الزيادة السكانية من خلال زيادة الوعي بين أفراد المجتمع، والتثقيف الأسري بما يكفل تمكين أفراد المجتمع من المشاركة في ذلك، وتأهيل الكوادر المجتمعية من الشباب للمشاركة في جهود التوعية بخطورة القضية، وتقديم خدمات المشورة والدعم، واتخاذ تدابير فعَّالة ومبتكرة للعمل المبكِّر على التوعية بالقضية واتخاذ الوسائل اللازمة للحد من الزيادة السكانية، وتنفيذ قوافل توعوية باستخدام وحدات متنقلة.

وينبغي في هذا المقام على منظمات العمل الأهلي التعاون مع المؤسسات المعنية لتطوير الخطاب الإعلامي والديني وتنميته في مجال التصدي للقضية السكانية وتشجيع الإعلاميين والخطباء على تناول هذه القضية، وبخاصة الكوادر المؤهَّلة والقادرة على ذلك، مع زيادة دعم وتشجيع البرامج الإعلامية للحث على تنظيم النسل ووضع البرامج التنفيذية المعاونة على ذلك، وعقد دوراتٍ تدريبيَّةٍ متطورة للإعلاميين والخطباء في مجال التوعية بالقضية السكانية تركز على كشف السلبيات التي تلحق الفرد والمجتمع.

كما ينبغي عليها التعاون مع المؤسسات التعليمية لنشر التوعية والثقافة بين الطلاب في المدارس وتعريفهم بسلبيات الزيادة السكانية ووسائل التصدي لها.

إن العمل الأهلي المنظَّم للتصدي لهذه القضية سوف يقضي على هذه المشكلة من جذورها، ويدعم جهود الاستقرار المجتمعي في وطننا، وسوف يوفر علينا كثيرًا من المشكلات الاجتماعية والخسائر الاقتصادية؛ إضافةً إلى ما سوف يؤدي إليه من دفع عجلة التنمية والإصلاح الاقتصادي الذي يعود بالرخاء على الشعوب والأفراد.

 

اترك تعليقاً