البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الباب الأول: المعاملات المالية الإسلامية والاقتصاد الوطني

الفصل الثالث: العلاقة بين الاقتصاد والأحكام الشرعية للمعاملات المالية

76 views

المبحث الأول: الأحكام الشرعية كمصدر لقوانين وأنظمة المعاملات المالية.

المطلب الأول: تقنين الأحكام الشرعية.

الفرع الأول: سمات الصياغة الفقهية المعاصرة.

الصياغةُ مصدرٌ من الفعل الثلاثي “صَاغَ”؛ يُقال: صاغ الشيء يصُوغُه صَوغًا وصِياغةً، وهو من التهيئة؛ يقول ابن فارس: «الصاد والواو والغين أصلٌ صحيحٌ، وهو تهيئةُ شيءٍ على مثالٍ مستقيمٍ؛ من ذلك قولهم: صاغ الحلي يصوغه صوغًا»([1]).

والمأخوذ من كلام أهل اللغة أنَّ الصَّوْغ له عدة معان، وهي([2]):

أولًا: السَّبْك والعمل؛ ومنه قول القائل: هذا شيء حَسَن الصيغة، أي: حَسَن العَمَل، وقولهم: صاغ الشيء: إذا سَبَكه.

ثانيًا: الخَلْق –على سبيل المجاز- ومنه قول القائل: فلان حَسَن الصيغة، أي: حَسَن الخِلْقة.

ثالثًا: الزُّور والكَذِب -على سبيل المجاز- ومنه قولهم: فلانٌ صَوَّاغ، إذا كان كَذَّابًا يُصْلِح الكلام ويزوِّره.

يقول الجوهري: «صُغت الشيءَ أصوغه صَوغًا، ورجل صائغٌ، وصوَّاغ، وصيَّاغٌ أيضًا في لغة أهل الحجاز، وعمله الصياغة. وصاغه الله صيغةً حسنةً؛ أي: خلقه. وسهامٌ صِيغَةٌ؛ أي: من عمل رجل واحد. وهو من الواو إلَّا أنها انقلبت ياء لكسرة ما قبلها. وهذا صوُغُ هذا: إذا كان على قدره. وهما صوغان؛ أي: سِيَّان. وربما قالوا: فلان يصوغ الكذب. وهو استعارة»([3]).

أما المعنى الاصطلاحي للفظ “الصياغة” فيختلف باختلاف الفن الذي يُستعمل فيه هذا اللفظ؛ لكن لا يخرج هذا المعنى عن أحد المعاني اللغوية السابقة.

ويُراد بالصياغة إذا كان محلها الألفاظ المعنى اللغوي الأول السابق الإشارة إليه، وهو “السَّبْك والعمل”، والذي يحمل في طياته معنى حُسْن التركيب والصنعة، يقول صاحب جمهرة اللغة: «صُغتُ الكلامَ أصوغه صوغًا: إذا حَبَّرتُه»([4])؛ أي: حسَّنتُه([5]).

وهذا المعنى هو المراد من قول الفقهاء عند كلامهم على أركان العقد: “الصيغة”؛ أي: التراكيب الخاصة ذات الدلالة على المعنى الموضوع له العقد([6]).

وإجمالًا يمكن تعريف “صياغة الألفاظ” بأنها: “بناء المادة الأولية للموضوع على هيئة مخصوصة وفقًا لقواعد مضبوطة”، ويكون ذلك غالبًا لتحويلها لأبحاث وأحكامٍ وقواعد منضبطة محددة وعملية صالحة للتطبيق على نحو يُحقِّق الغاية التي يُفصِح عنها جوهرها([7]).

أما مصطلح “الصياغة الفقهية” فهو مصطلحٌ جديد لم يكن من المصطلحات المستخدمة عند علماء وفقهاء التراث، ولكن كثُر استخدام هذا المصطلح في العصر الحديث لدى العلماء والباحثين.

والذي يجدر التنبيه عليه هو أنَّ هذا المصطلح “الصياغة الفقهية” بالرغم من كثرة استخدامه في الكتابات الفقهية المعاصرة إلا أنه لم يتعرض إلى تعريفه سوى عددٍ قليلٍ من العلماء والباحثين المعاصرين، ومن هذه التعاريف لمصطلح “الصياغة الفقهية” كاسمٍ أنها: «تلك القوالب والمصطلحات للأحكام والأوصاف والمعاني الشرعية التي حررها علماء أصول الفقه الإسلامي وتبعهم في استعمالها الفقهاء المسلمون»([8])، ويقول صاحب المدخل الفقهي العام: «ومن فضل الله وتوفيقه أن المدخل شق في صياغة الفقه وتدريسه في الجامعات طريقًا لم يكن معهودًا قبله، وأن هذا النهج الجديد في تقديم الفقه الإسلامي للطلاب غير ذوي الخلفية الشرعية لقي قبولًا واسعًا حتى صار هو الطريقة الشائعة، ويقوم هذا النهج الذي اعتزمت اتباعه منذئذ في سلسلة (الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد) على صوغ الأحكام الفقهية التي تشرح مجلة الأحكام العدلية كصياغة الفقه القانوني الحديث؛ ليلبس الفقه الإسلامي بذلك ثوبًا جديدًا يتفق مع الأذواق القانونية المعاصرة في صياغته ومظهره، ويحافظ في الأحكام والأنظار الفقهية على أصله وجوهره، وهذا ما تقتضيه الدراسة الجامعية وحاجة العصر»([9]).

ويمكننا أن نُفيد مما سبق أن ما قام به العلماء المعاصرون هو عبارة عن محاولات لتقريب المراد من مصطلح “الصياغة الفقهية”، وعلى هذا فإنه يمكن لنا أن نقوم بتعريف مصطلح «الصياغة الفقهية» بالمعنى المصدري بقولنا: «عَرضٌ مُرتَّب للأحكام والمعاني الشرعية بعد استنباطها من مصادرها بأسلوب فقهي منضبط شكلًا وموضوعًا».

وقبل الكلام على سمات الصياغة الفقهية المعاصرة لابد لنا من التصوُّر الإجمالي لسمات الصياغة الفقهية قبل ذلك؛ فقد كان الفقه في عصر الرسالة يتمثل في النصوص التشريعية من القرآن والسنة، ولم يكن الفقه مدوَّنًا في عصر الصحابة، ثم كان ظهور المذاهب البدايةَ الفعليةَ للتدوين الفقهي، وفيه لم تتخذ الصياغة الفقهية شكلًا واحدًا في التأليف؛ بل اختلفت من حيث شمول الأبواب الفقهية والترتيب والتبويب واستخدام النصوص واستنباط الأحكام تعليلًا وتخريجًا وتقعيدًا، وإن كان قد ظهرت عند الإمام الشافعي سماتُ المنهجية في التدوين والصياغة الفقهية والاهتمام بالكليات، ثم اعتنى الفقهاء في صياغاتهم بعد ذلك بالتقعيد والتأصيل وبناء منهج متكامل للاستنباط الفقهي مع البساطة والاهتمام بالأفكار دون تعقيد أو غموضٍ، وأما المتأخرون فاهتموا في صياغاتهم بالتنظيم والترتيب وشرح كلام المتقدمين والتدليل والاحتجاج له([10]).

ولكن ظهرت عدة إشكالات في الصياغة الفقهية عند الفقهاء في العصور المتأخرة أدت إلى وجوب تطوير هذه الصياغة كما حدث في العهد الحديث والمعاصر؛ ومن أهم هذه الإشكالات عدم القدرة على التواصل مع جمهور الخطاب متعدد المستوى وتلبية حاجاته، وكذلك العجز عن مواجهة ملاحقة التطورات المعاصرة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، والعجز عن إشاعة روح علمية عامة في الأمة([11]).

ولم تخلُ الصياغة الفقهية في هذا العصر من مزايا، ولعل أهم مزية في الصياغة الفقهية لدى المتأخرين الذين اهتموا بخدمة الإنتاج الفقهي لأئمة المذاهب أنها كانت أقرب إلى المسلك القانوني والحقوقي من المتقدمين؛ فقد اعتنوا عناية كبيرة بالضبط والاختصار ودقة الصياغة؛ فَكُتُب المتأخرين تفوق على كُتُب المتقدمين في الضبط والاختصار وجزالة الألفاظ وجمع المسائل؛ لأن المتقدمين كان مصرف أذهانهم إلى استنباط المسائل وتقويم الدلائل؛ فالعالِم المتأخر يصرف ذهنه إلى تنقيح ما قالوه وتبيين ما أجملوه وتقييد ما أطلقوه وجمع ما فرقوه واختصار عباراتهم وبيان ما استقر عليه الأمر من اختلافاتهم([12]).

ثم ظهرت في العصر الحديث دعوات كثيرة لتطوير الفقه وتحديثه وتجديده؛ سواء فيما يتعلق بالمضمون أو بالشكل؛ ومن ذلك الدعوة إلى تجديد الصياغة الفقهية([13])؛ يقول عبدالوهاب خلاف: «في أواخر القرن الهجري الثالث عشر جمعت الحكومة العثمانية طائفة من كبار علمائها وكلفتهم وضع قانون في المعاملات المدنية تكون مآخذه من الفقه الإسلامي، ولو من غير المذاهب المعروفة متى كان الحكم المأخوذ يتمشى وروح العصر، وقد اجتمع هؤلاء العلماء وسنوا القانون الذي سُمِّيَ مجلة الأحكام العدلية في سنة 1286هـ، وصدر الأمر بالعمل به في سنة 1292هجرية… وفي مصر لما كثرت شكاوي الناس من التزام الحكم بمذهب أبي حنيفة في أحكام المحاكم الشرعية خطت الحكومة المصرية في سنة 1920 أولى الخطوات لتلافي هذه الشكاوي، وأصدرت القانون رقم 52 لسنة 1920 الذي اشتمل على بعض أحكام في الأحوال الشخصية تخالف مذهب أبي حنيفة، ولكنها لم تخرج عن مذاهب الأئمة الأربعة… وفي سنة 1936م خطت خطوة ثالثة وكونت جماعة من كبار علماء الشرع والقانون، وكلفتهم وضع قانون شامل لأحكام الأحوال الشخصية وما يتفرع منها، والوقف، والمواريث، والوصية، وغيرها مما يدخل في اختصاص المحاكم الشرعية والمجالس الحسبية؛ على ألا تتقيد بمذهب دون مذهب بل تأخذ من آراء الفقهاء أكثرها ملاءمة لمصالح الناس والتطور الاجتماعي، وقد أتمت هذه الجماعة وضع مشروعات قانون المواريث، وقانون الوصية، وقانون الوقف، وصدرت فعلًا هذه القوانين وصارت من قوانين الدولة المعمول بها الآن. وعسى أن نخطو الخطوة الرابعة، ونأخذ في سن القوانين الشرعية التي تحقق مصالح الناس، وتساير روح العصر وتطوراته، بما لا يخالف نصًّا في القرآن والسنة الصحيحة، ولو لم تكن مأخوذة من مذاهب السابقين. وبهذا يبعث النشاط التشريعي الإسلامي من مرقده، ويحيا الفقه الإسلامي بالتطبيق العملي والدراسة المقارنة، وما ذلك على الله بعزيز»([14]).

وقد اتسمت الصياغة الفقهية المعاصرة بعدة سمات؛ منها:

أولًا: توخي الصياغة الوظيفية للمدونات الفقهية القديمة:

ذلك أن للفقهاء في مصنفاتهم مقاصد وغايات يتوخونها أثناء تأليفهم لها؛ فمنهم من يكتب كتابه للمتعلمين المبتدئين أو المتوسطين أو المتقدمين، ومنهم من يكتبه للقضاة أو للعامة أو للحكام، ونحو ذلك؛ ومن هنا فقد راعت الصياغة الفقهية المعاصرة ذلك عند إعداد المادة الفقهية؛ فطريقة صياغة ما يوجَّه للمتخصص غيرها فيما يتوجه للعامي، وصياغة الأحكام تختلف باختلاف من يُتوجه بها إليهم من القائمين على وظائف محددة كالقضاة والاقتصاديين والسياسيين([15]).

ثانيًا: ابتكار أنواع جديدة للتأليف الفقهي:

كما انتهج السابقون طريقة المتون والشروح والحواشي والتقريرات والتعليقات وغيرها لأغراض قصدوها اتجهت الصياغة الفقهية المعاصرة إلى توظيف أنواع وأشكال جديدة لكتابة المادة الفقهية تُراعَى فيها الاعتبارات التي يتغياها أهل هذا الزمان من تقريب الفقه وتيسير مادته والإفادة من تطور أشكال الكتابة وهيئاتها المعاصرة في المجال الفقهي، ومن هنا ظهرت جملة من أنواع التأليف التي لم يعهدها السابقون بصيغتها المعاصرة؛ منها: الموسوعات والمدونات والمجلات الفقهية، ومنها المقالات الفقهية، كما ظهرت آليات جديدة في الصياغة الفقهية كإصدار القرارات الفقهية الجماعية وتقنين الشريعة الإسلامية ووضع المعايير([16]).

ثالثًا: ربط العلوم الفقهية ببعضها وبالعلوم المكملة لها.

لم يكن التخصص مما يحجز الفقهاء المتقدمين عن العطاء العلمي في مجالات العلم المختلفة والإبداع فيها؛ غير أن تطاول القرون وما تضمنته في طياتها من ضعفٍ عامٍّ لم تسلم منه النواحي العلمية؛ كما أن تراكم المادة العلمية ألجأ عامة العلماء المتأخرين إلى التخصص في طرفٍ منها لمن أراد ضبطها وإحكامها؛ كل ذلك أفرز ظاهرة الفصل بين العلوم التي يُفترض فيها التكامل؛ وكان من سمات الصياغة الفقهية المعاصرة العودة إلى طريقة المتقدمين في هذا الشأن بربط العلوم الفقهية ببعضها من جهة وبالعلوم المكملة من لها من جهة أخرى؛ فظهر من هنا مزج الفقه بالأصول والقواعد والفروق والتخريج وبقية العلوم الفقهية من خلال صياغة المادة الفقهية بأسلوبٍ يجمع بينها بما يكفل للمتخصص نماء ملكته وقوة حجته وكمال استيعابه ورسوخ فهمه.

ومن جهة أخرى رُبطت الأحكام بأصولها الأخلاقية ومغازيها الروحية ومقاصدها وحكمها التشريعية؛ كما أُفيد من أدوات المعرفة الحديثة في المجال الفقهي؛ ذلك المجال شديد التعلق بمعاش الناس وواقعهم في تحقيق مناطاته التي تصدر الأحكام عن وعي بها وإدراكٍ لأبعادها ومآلات الفتوى فيها؛ فرُبط الفقه بمختلف المناحي الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وأثر ذلك في صياغته أيما تأثير([17]).

رابعًا: إعادة التقسيم والتبويب:

لما كانت القسمة المنقولة لأبواب الفقه غير حاصرة للمسائل الفقهية فيه؛ مما استدعى إلحاق جمهرة من المسائل بغير مظانها الظاهرة وإن بنوعٍ من التكلُّف؛ إضافةً إلى ما استجد في عصرنا الحاضر من قضايا كبرى؛ كقضايا البيئة وحقوق الإنسان وأنظمة الحكم الحديثة مما يحتاج إلى نظرٍ فقهي واجتهاد في معرفة أحكامها على مستوى تجدد صورٍ معاصرة لفروعٍ منقولة أو بروز جوانب مستحدثة وعقود مستجدة في حياة الناس لم يطلها التبويب الفقهي، وكان من الأهمية بمكانٍ ربط الفروع الفقهية التجريدية بعلومٍ أخرى كما سبقت الإشارة إليه؛ فقد دعا كل ذلك إلى إعادة هيكلة التقسيمات الفقهية بحيث تستوعب هذه الإضافات، وكان من الضرورة أن تتجدد أبواب الفقه بحيث تستوعب هذه الجوانب دون تكلف بإلحاقها بأبواب لا تظهر صلتها بها، وهو أحد سمات الصياغة الفقهية المعاصرة([18]).

خامسًا: الربط بين الشريعة والقانون:

اتسمت الصياغة الفقهية المعاصرة بالربط بين الأحكام الشرعية والقوانين الوضعية والمقارنة بينهما وتأصيل القوانين الوضعية من الجهة الشرعية([19])، ومن هنا ظهر مفهوم تقنين الفقه الإسلامي بجمع الأحكام والقواعد التشريعية المتعلقة بسائر أنواع المعاملات من المذاهب الفقهية وتبويبها وترتيبها بحسب أقسام القانون الحديث، وصياغتها في مواد قانونية مسلسلة، وإصدارها من قِبَل الدولة في صورة قانون ملزم وواجب التطبيق لدى السلطات القضائية([20])؛ ومن الطبيعي أن تكون الصياغة الفقهية في هذا النوع أقرب ما تكون إلى الصياغة القانونية، وقد عُرِّفت الصياغة القانونية بأنها: «علمٌ وفنٌّ يُستخدم في إنشاء القواعد القانونية والتشريعية؛ فبواسطتها يصوغ المشرِّع القواعد القانونية انطلاقًا من المعطيات الطبيعية والتاريخية والعقلية والمثالية للمجتمع -القيم- وذلك في شكل قواعد قانونية ميسورة الفهم سهلة التطبيق على أرض الواقع»([21]).

سادسًا: تبسيط الأسلوب وتجديد وسائل العرض:

من سمات الصياغة الفقهية المعاصرة العودة بالفقه إلى حالته الأولى الجامعة بين الجزالة والبساطة([22])؛ مع استخدام الطرق الحديثة في العرض والوسائل الإيضاحية التي من شأنها ترسيخ الفهم وتوضيح المقصود، وقد أسهمت المناهج الفقهية في الجامعات والكليات والأقسام والمعاهد الشرعية في تطوير هذه المعاني والرقي بصياغة الفقه من حيث تيسير أساليبه وطرائق عرضه والخروج بثوب جديد لمسائل الفقه وأحكامه عرضًا وتأصيلًا ودراسة وتحريرًا([23]).

هذه أهم سمات الصياغة الفقهية المعاصرة([24]) والتي ألقت بظلالها على المؤلفات والإصدارات الفقهية في الوقت الحالي، وظهرت بوضوح في سائر طرائق وأساليب وأنواع التصنيف الفقهي في العصر الحديث، ولا شك أن هذه السمات إذا تحققت في الصياغة الفقهية فإنها تُعينُ على تطوير الملكة الفقهية وتساعد أيضًا في رسم خارطة ذهنية تساعد المتفقه وطالب العلم والمستفيد أيًّا كان على إدراك شبكة العلاقات الفقهية والاستفادة منها.

الفرع الثاني: صياغة القانون وتجديد اللغة الفقهية:

شكلت قوانين المعاملات المالية معلمًا أساسيًّا من معالم التجديد الكبرى في اللغة الفقهية؛ فقد امتازت هذه القوانين في نصوصها بصياغات فقهية رصينة، ونظمت المعرفة الفقهية في أحكام المعاملات المالية بصورة دقيقة شاملة متكاملة مفصلة مما يسهم بصورة استراتيجية في إيجاد الفقيه والعالِم المتخصِّص والمبدِع.

وقد نبع ذلك من أن صياغة القانون في الغالب تكون صياغة محكمة تراعي دلالات الألفاظ ومقتضيات اللغة مع جودة في الترتيب والتبويب؛ هذه الصياغة السلسة المرتبة تستهوي علماء الفقه كون فيها نوع جدة([25]).

ومن هنا يمكن القول بأن قوانين المعاملات المالية قد قدمت صورة جديدة من الفقه الإجرائي في مقابل الصورة السابقة من الأعمال المنظمة؛ كمدونات الفقه الإسلامية، ومجلة الأحكام العدلية([26]).

ومما يميِّز القوانين الضابطة للمعاملات المالية من جهة صياغتها أنها تتبع الطريقةَ المناسبة في محلها([27])؛ ففي الأحكام والإجراءات التي لا تحتمل التقدير يُصاغ صياغة جامدة لا تترك للقائم على التطبيق مجالًا رحبًا عند تطبيق القانون؛ وتتمثل هذه الصياغة في التعبير عن الحكم أو الإجراء بطريقة قاطعة ومحددة لا تحتمل الشك والتأويل، وتُعطي ثباتًا للنص الوارد في القانون، وتُستعمل في النصوص التي لا يمكن الاجتهاد في مضمونها؛ فتقوم الصياغة الجامدة على أساس حرمان مطبِّق القانون من سلطة التقدير عند تطبيق الحكم أو الإجراء، والتي لا تأخذ بعين الاعتبار ما يميز كل حالة من الحالات التي يُطبَّق عليها الحكم أو الإجراء من ظروف وملابسات، وتُعد صياغة النص جامدةً إذا كانت تواجه افتراضًا معيَّنًا أو وقائع محددة، وتتضمن معالجة ثابتة لا تتغير مهما اختلفت الظروف والملابسات؛ لذا يجد مطبِّقُ القانون نفسَه مضطرًّا لتطبيق المعالجة أو الحكم بمجرد توافر الفرضية؛ فهي صياغة تحدد المخاطَب بالقانون، وتحدد الواقعة التي يكون الخطاب بشأنها، وتحدد أثر الواقعة، ويكون كل ذلك بوصفٍ منضبط لا يدع مجالًا لاختلاف وجهات النظر.

أما في التعبير عن حكمٍ أو إجراءٍ متغيِّر بتغيُّر الظروف الأحوال فإن القانون يتبع الصياغة المرنة، ويُقصد بها التعبير عن حكم أو إجراء بألفاظٍ وعبارات واسعة المعنى تسمح بتغيير المعالجة تبعًا للظروف والأحوال، ولما يقدِّره مطبِّقُ القانون؛ فهي التعبير عن التزام بحكمٍ أو إجراءٍ بعبارات مرنة تُستخدم لتحديد صفاتٍ أو شروطٍ أو عناصر للموضوع المعالَج، وبالتالي يختلف مدلول هذه الصياغة باختلاف ما يندرج تحتها، ويُستخدم هذا النوع من الصياغة لمواجهة حالاتٍ أو وقائع لا يمكن تحديدها حصرًا عند صياغة النص؛ مثل تحديد الأضرار الواقعة على الآخرين ومقدار التعويض المستحق لجبرها، وتكون الصياغة المرنة إذا اكتفت القاعدةُ المقاصدية أو الفقهية أو نحوهما بإعطاء مطبِّق القانون مقياسًا مرنًا يستهدي به في وضع الحلول المناسبة لكل حالةٍ على حدةٍ من الوقائع الموجودة طبقًا للظروف والملابسات المختلفة، وذلك من خلال التعبير عن مضمون النص الوارد في القانون بطريقة غير محكمة تسمح للمطبِّق بسعة تقديرية في تطبيقها استجابةً للظروف ومقتضيات العدالة، والمصلحة المطابقة للمقصد الشرعي وغير المتعارضة معه.

والواقع أن صياغة القانون بحاجة إلى النوعين السابقين من الصياغة في نفس الوقت؛ فالأصل أن تكون الضوابط الواردة في القانون منضبطة ومحددة؛ إلا أنه توجد أمور كثيرة لا بد وأن تُصاغ فيها تلك الضوابط بصورة مرنة تتجاوب مع الظروف المتغيرة، وما قد يستجد من وقائع([28]).

ومن شروط صياغة القانون أن يتَّسم بالدقة في اللغة والوضوح سواء في صياغة الأحكام، ويُقصد بالدقة بوجه عام: استعمال الألفاظ حسب معناها الصحيح وفي موضوعها الصحيح، ويُقصد بالوضوح: أن تُعبِّر الكلماتُ والعباراتُ عن المقصود بسهولة ويُسر بحيث يستطيع القارئُ أن يقف على حقيقة المراد من النص دون عناء؛ فيجب أن تكون نصوصُ القانون واضحةً ودقيقةً؛ فاللغة المعقَّدة تجعل نصَّ القانون مغلقًا، كما أن اللغة غير الدقيقة تجعل نصَّ القانون مبهمًا؛ فيجب أن يكون للقانون لغة فنية خاصة به يكون كل لفظٍ فيها موزونًا محدود المعنى، ولا يجوز أن يتغير معنى اللفظ الواحد باستعماله في عبارات مختلفة؛ فإذا عُبِّر عن معنًى بلفظ معيَّن وجب ألَّا يتغير اللفظُ إذا أُريد التعبير عن هذا المعنى مرةً أخرى؛ فاللغة المستخدَمة في القانون يجب أن تكون سليمة ومنضبطة ودقيقة بحيث تضع مرامي الأحكام والإجراءات المذكورة موضع التنفيذ، كما يجب أن يكون القانون أيضًا واضحًا من حيث الإخراج الفني والتشكيل اللغوي([29]).

وعليه فإن من عيوب نصوص القانون أن تكون غامضة؛ ويكون النصُّ غامضًا إذا كان غير واضح الدلالة، ولا تدل صيغته على مضمونه والغاية منه، ويحتاج فهمه إلى أمر خارجي لغايات تحديد المعنى المقصود منه بشكل قد يدفع نحو الاستعانة بطرق التفسير المختلفة، كما يُعد النصُّ غامضًا إذا كان يسمح بالاختيار بين البدائع -أي: المعاني- بشكلٍ يُفيد أكثر من معنى، أو إذا كان قد صيغ بأسلوب معقَّد في اللفظ والتركيب يصعب معه تصورُ المقصود منه، ويتحقق الغموض أيضًا نتيجة اضطراب في صياغة النص التشريعي، أو في استخدام لفظٍ ما يدل على أكثر من معنًى؛ فالنص الغامض هو كل ما احتاج من النصوص إلى توضيح وتفسير؛ سواء أكان ذلك بسبب نقص فيه، أو بسبب عدم وضوح في لفظه، أو بسبب تعارض بين أجزائه، أو لأي سببٍ آخر في نصه([30]).

كما يُشترط في القانون أن يتناول جميعَ أركان الموضوع محل القانون وعناصره من حيث تعريفه وعناصره والسبل الكفيلة بممارسته أو تطبيقه، والحقوق والالتزامات المترتبة عليه، وما يترتب على المخالفة لأحكامه، وتنظيم كافة الجوانب المتعلقة بموضوع القانون.

كما ينبغي أن يكون القانون منضبط الصياغة لا تزيُّد فيه؛ فلا ترد فيه عبارة زائدة أو مكررة لا معنى لها تزيده في مضمون القانون؛ فإن ذلك يؤدي إلى إرباك المعنى والاختلاف في الفهم، والتزيُّد والتكرار من العيوب التي تؤثر سلبًا على مضمون الضابط المراد فتزيد من غموضه وصعوبة تفسيره، كما أنه يؤثر سلبًا على شكل الضابط فينتفي عنه صفة الاختصار والإيجاز الضروريَّين لحسن سلامته([31]).

ولغايات حسن الصياغة فإنه ينبغي التأكد من أن كل بندٍ من القانون مخصص لفكرة واحدة فقط، وأن الفكرة الواحدة لا تُقسَّم على أكثر من بندٍ، وأنه إذا كانت المادة تتناول أكثر من موضوع فإنه يجب أن يتم تقسيمُها إلى بندَين أو أكثر؛ فمن المستحسن أن يتم استخدامُ أسلوب التجزئة إلى بنودٍ وفقرات في حال وجود شروط أو متطلبات معينة، وأن يتم تقليلُ عدد كلمات النص إلى الحد الذي يحقق الغرض من القانون دون استخدام الحشو اللغوي، وينبغي أن يتم تجنُّب استعمال كلمات مترادفة للتعبير عن الحكم المطلوب، أو استعمال كلمات هي جزء من المعنى لكلمة أخرى تم استعمالُها، كما يُستحسن أن يتم تفضيل التعبير الإيجابي على التعبير السلبي، وأن يتم استخدام صيغة الإثبات بدلًا من النفي، وأن يتم استخدامُ المصطلحات الأحدث نسبيًّا والمتفق عليها في المجال، وأن يتم الابتعادُ عن الكلمات التي تثير الجدل حول مفهومها ومدلولها، والالتزام في استخدام المصطلحات والكلمات في مواد القانون كافة.

والحاصل أن القانون ينبغي أن يتسم بسمتَين حتى يصير منضبطًا([32]):

السمة الأولى: غلبة الروح العملية فيه على الروح العلمية أو الفقهية؛ وذلك لأن المقصود بالقانون وضع الأحكام في متناول الجميع، ومن مظاهر ذلك:

  • تجنب إيراد التعريفات والتقسيمات الفقهية؛ فيتكلم في الأحكام والمعاملات المختلفة دون إيراد تعريف لها، ويورد المسألة محل القانون دون تعرض لتقسيمها وتبويبها؛ فمجال ذلك الفقه وليس مجاله التعيير؛ بل إن إيراد ذلك في المعيار يضرُّ.
  • تجنب الصيغ الفقهية والتعميمات المجردة إلا لمقتضٍ.
  • تجنب ذكر الأسباب التي أوجبت اختيار حكم ما، وإيراد الدليل على صحتها، أو إيراد أمثلة توضح الحكم؛ إذ هذه مهمة الفقه لا القوانين، ومجاله الأعمال التحضيرية والمذكرات الإيضاحية التي تُرفق عادة بنص القانون دون أن تكون جزءًا منه.
  • ترك الخوض في الجزئيات الدقيقة، والاقتصار على التفصيلات المهمة والقواعد العامة حتى يكون القانون من المرونة بحيث يستطيع مطبِّقُه مسايرة المعاملات المتغيرة.

السمة الثانية: ألا يحاول القانون الإحاطةَ بكل شيء؛ ذلك أن هذه المحاولة مقضي عليها بالفشل؛ فواضع القانون مهما كان بعيد النظر عاجزٌ عن أن يتصور عند وضع القانون كلَّ أمر ليضع له حكمه؛ بل على واضع القانون الاهتمام بالمسائل الرئيسة والتفصيلات المهمة، وخير طريق يسلكه واضع القانون للجمع بين المرونة والدقة أن يلجأ في المسائل كثيرة التطور من القواعد الجامدة الضيقة إلى القوانين المرنة الواسعة التي يسترشد بها مطبِّقُ المعيار دون أن يتقيَّد فيصل إلى حلول تختلف من حالة إلى حالة باختلاف ملابسات المعاملة.

عناصر صياغة نصوص القوانين:

وتنقسم عناصر صياغة نصوص القوانين إلى ثلاثة: الجهة المخاطَبة بالقانون، والفعل محل النص، ووصف الحالة التي ينطبق عليها الفعل، وبيان ذلك فيما يلي([33]):

1- الجهة المخاطَبة بالقانون.

وهي الجهة التي يسند إليها القانون التزامًا أو واجبًا، أو يحظر عليها أمرًا، أو يخولها حقًّا أو اختصاصًا، ويُتصوَّر أن تكون هذه الجهة شخصًا اعتباريًّا أو طبيعيًّا، ومن المسلمات أنه لا يكون شخصًا بعينه مثل “محمد أو سعيد”؛ بل يُخاطب بناء على مركزه القانوني، وقد يلجأ صائغُ القانون إلى مخاطبة فئة أو مجموعة معينة بحيث يقتصر تطبيق الحكم أو الإجراء محل الصياغة على مَن تنطبق عليهم الصفة المحددة، وفي هذا السياق يتم تحديدُ المخاطَب على وجهٍ يقطع الشك، ويُتجنَّب استخدام الضمائر قدر الإمكان للتعبير عن هذه الجهة، وعند استخدام الضمائر فإنها تُستخدم في جملة واضحة الدلالة لا تخلق لبسًا أو غموضًا لدى المخاطَب بنصِّ القانون أو مطبِّقه.

2- الفعل محل النص:

وهو ذلك الجزء من النص الذي يُعبِّر عن حقٍّ أو امتياز أو التزامٍ أو مسئولية تُفرض على الجهة المخاطَبة؛ فهو ما يُسند إلى الجهة من التزامٍ أو واجب، أو ما يُحظَر عليها فعله وغير ذلك؛ فهذا الفعل يُجسد ماهية الأعمال والمهام التي يجب على الجهة القيام بها أو الامتناع عنها؛ فهو الغاية المتوخَّاة من نصِّ القانون التي يريد بها صائغُ القانون بيانَ الأحكام والالتزامات والإجراءات المطلوبة، ويتم توضيحُ هذا الفعل بشكل دقيق وكامل، ويتم استخدام صيغة المضارع للتعبير عنه، وهذا الأمر يتفق مع الغاية من وضع القانون التي هي الاستمرارية في الانطباق.

3- الحالة التي ينطبق عليها الفعل:

ويُقصد بها الظروف التي ينطبق عليها حكمُ الفعل محل نص القانون، والتي عند التعبير عنها بوضوح في الجملة تجعل نصَّ القانون أكثر وضوحًا ودقة؛ فنادرًا ما يسري الفعلُ محل نص القانون على جميع الحالات، وإنما يسري فقط على حالة أو حالاتٍ معينة محددة بذاتها على سبيل الحصر، أو قابلة للتحديد بشكلٍ قاطع، وبالتالي يُعدُّ تحديدُ الحالة ووصفها وصفًا دقيقًا منعًا للَّبس جزءًا أساسيًّا من عمل صائغ القانون، كما أن تحديد الحالة يُقدِّم خلفية أو توضيحًا جوهريًّا للأوضاع والظروف التي يسري فيها حكمُ القانون أو يتم تعطيله.

 

الفرع الثالث: التعريف بالتقنين.

التقنين في اللغة مأخوذ من مادة “قَنَن”، يقال: قَنَّ الشيءَ قَنًّا، أي تفقده بالبصر، والقِنُّ: العبد، والقُنَّة من كل شيء: أعلاه، والجبل المنفرد المرتفع في السماء، وجمعها: قُنَن وقِنَان.

وقَنَّن: أي وضع القوانين، وهي من الألفاظ المولَّدة، فليس أصلها عربيًّا، ويقال: إن أصلها رومية أو فارسية؛ فالتقنين هو وضع القوانين، والقوانين واحدها القانون، والقانون: الأصل، وهو مقياس كل شيء وطريقه([34])، والقانون في الاصطلاح: «أمرٌ كلي منطبق على جميع جزئياته التي يُتَعرَّف أحكامها منه»([35]).

وقد عُرِّف التقنين بأنه: «إدماج القواعد الخاصة بفرعٍ من فروع القانون -بعد أن تُرتَّب وتُبوَّب ويُرفع ما قد يكون فيها من تناقض- في مدونة واحدةٍ تصدُر من الهيئة صاحبة التشريع في شكل قانون؛ سواءً كان مصدر تلك القواعد عرفًا أو تشريعًا أو غير ذلك»([36])، أو أنه: «جمع القواعد الخاصة بفرعٍ من فروع القانون بعد تبويبها وترتيبها وإزالة ما قد يكون بينها من تناقض وفيها من غموض في مدونة واحدة، ثم إصدارها في شكل قانون تفرضه الدولة عن طريق الهيئة التي تملك سلطة التشريع فيها؛ بصرف النظر عما إذا كان مصدر هذه القواعد التشريع أو العرف أو العادة أو القضاء أو غير ذلك من مصادر القانون»([37]).

وعُرِّفَ أيضًا بأنه: «جمع الأحكام والقواعد التشريعية المتعلقة بمجال من مجالات العلاقات الاجتماعية وتبويبها وترتيبها وصياغتها بعبارات آمرة موجزة واضحة في بنود تسمى (مواد) ذات أرقام متسلسلة، ثم إصدارها في صورة قانون أو نظام تفرضه الدولة، ويلتزم القضاة بتطبيقه بين الناس»([38]).

وهذه التعريفات كلها متقاربة تصف ما ينبغي أن يكون عليه التقنين([39]).

وعلى ذلك فالمقصود بتقنين الفقه الإسلامي هو: جمع الأحكام والقواعد التشريعية المتعلقة بسائر أنواع المعاملات من المذاهب الفقهية، وتبويبها وترتيبها بحسب أقسام القانون الحديث، وصياغتها في مواد قانونية مسلسلة، وإصدارها من قِبَل الدولة في صورة قانون ملزم، وواجب التطبيق لدى السلطات القضائية([40]).

وتسمية الأحكام بالقوانين ليست بدعًا من القول بل قد ذكرها بعض الفقهاء وتكلموا عنها كالقاضي أبي يعلى والماوردي وابن خلدون وغيرهم([41])؛ ومن ذلك قول الماوردي: «فإن كان هذا الحد من حقوق الله تعالى المحضة كحد الزنا جلدًا أو رجمًا فالأمير أحق باستيفائه من الحاكم لدخوله في قوانين السياسة وموجبات الحماية والذب عن الملة»([42])، وقوله في موضع آخر: «فهذه سبع قواعد في قوانين الشرع يُحفظ بها حقوق الإمامة وأحكام الأمة»([43]).

وليس «القانون» في حقيقته إلا مجموعة من القواعد العامة الملزمة ذات عنصر جزائي تُصدرها سلطة مختصة.

وهذا المدلول للفظة «قانون» هو نفسه مدلول لفظة «نظام» أو «لائحة» ونحوهما مما يتضمن أوامر أو تعليمات محددة بالأوصاف والشروط؛ فالعبرة بالقصود والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما يقول الأصوليون([44]).

الفرع الرابع: القوة الإلزامية للقوانين الوطنية:

للقوانين الوطنية قوة إلزامية شرعية ونظامية، وفيما يلي بيان هذا بعد التمهيد عن حكم إلزام ولي الأمر في المسائل الخلافية.

أولًا: حكم إلزام ولي الأمر في المسائل الخلافية:

يتطلب الحديث عن حكم إلزام وليِّ الأمر في المسائل الخلافية التصدير بحكم طاعة وليِّ الأمر، ثم الحديث عن سلطة وليِّ الأمر في تقييد المباح؛ ولذلك يأتي هذا المطلب في ثلاث نقاط:

أولًا: طاعة وليِّ الأمر:

ورد لفظ “ولي الأمر” في القرآن الكريم بصيغة الجمع في موضعين:

الأول: قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾([45]).

والثاني: قوله سبحانه في السورة نفسها: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾([46]).

وقد ذكر العلماءُ أن هناك اختلافًا في المقصود بأُولي الأمر.

الرأي الأول: أن المقصود بأولي الأمر هم الحكام والأمراء والولاة ومن يقوم مقامهم.

والرأي الثاني: أن المقصود بهم هم العلماء.

والرأي الثالث: أن المقصود الطائفتان معًا([47]).

وقد رجَّح بعضُ المعاصرين القولَ بأن المراد بأولي الأمر هم الحكام والعلماء جميعًا؛ معلِّلين ذلك بأن المجتمع إنما يقوم عليهما، فالعلماء والمجتهدون يمثلون السلطة التشريعية التي تقرر الأحكام، والحكام ونوابهم يمثلون السلطة التنفيذية التي تقوم بالإلزام بالأحكام التي قررها العلماء وذوو الرأي والاجتهاد وتنفيذها، ولا قوام لأي مجتمع بغير أحد هذين الفريقين([48]).

بيد أننا نلاحظ أن غالب إطلاق الفقهاء لولي الأمر ينصرف إلى الحاكم وصاحب السلطة ومن يدبر شئون الرعية([49]).

وهذا ما قرره عددٌ من أهل العلم. قال الطبري: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول مَن قال: هم الأمراء والولاة؛ لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان طاعة وللمسلمين مصلحة»([50]).

وقال النووي: «قال العلماءُ: المراد بأولي الأمر مَن أوجب اللهُ طاعتَه من الولاة والأمراء. هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم»([51]).

ورجَّح هذا الرأيَ بعضُ المعاصرين؛ حيث ذهب إلى أن مصطلح (ولي الأمر) صار علمًا على مهنة معينة ممن يتولى أمر سياسة الناس والحكم بينهم([52]).

ومن نافلة القول أن نقرر أن ‌ولاية ‌الناس ‌من ‌أعظم ‌واجبات ‌الدين، ولا قيام للدين -كما يقول ابن تيمية- إلا بها؛ فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند اجتماعهم من رأسٍ([53]).

حتى قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ ‌فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ»([54])، وقال في الحديث الآخر: «لَا يَحِلُّ ‌لِثَلَاثَةِ ‌نَفَرٍ يَكُونُونَ بِأَرْضِ فَلَاةٍ إِلَّا أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ»([55]).

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «‌لا بدَّ ‌للناس ‌من ‌إمارة برَّةً كانت أو فاجرةً، فقيل: يا أمير المؤمنين، هذه البرَّة قد عرفناها فما بال الفاجرة؟ فقال: تُقام بها الحدود، وتأمن بها السُّبُل، ويُجاهَد بها العدو، ويُقْسَم بها الفيء»([56]).

وقد تواتر إجماعُ المسلمين من الصحابة ومن بعدهم على ذلك([57]).

ومن المسلَّم به أن طاعة ولي الأمر واجبة على الرعية، والأصل في ذلك قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾([58])، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «السمعُ والطاعةُ على المرءِ المسلمِ فيما أحب وكره، ما لم يُؤمَرْ بمعصية، فإذا أُمِرَ بمعصيةٍ فلا سمعَ ولا طاعة»([59]).

وقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصى اللهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَد أَطَاعِني، وَمَنْ عَصى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي»([60])، وفي رواية لمسلم: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ يُطِعْ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي»، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ»([61]).

فهذه النصوص كلها تدل على وجوب طاعة ولي الأمر.

وأيضًا تجب طاعتُه تحقيقًا لمعنى الولاية الذي يستلزم الطاعة والامتثال، حتى لا تتفرق كلمة المسلمين، ولا يتعرض منصب الولاية للاستهانة؛ فيضطرب الأمن ويختل النظام في الدولة([62]).

ووليُّ الأمر في الإسلام بحكم بيعة الأمة له -أيًّا كانت صورتها ووسيلتها- هو صاحب الولاية العامة، ومنه تستمد السلطات في الدولة تشريعية كانت أو تنفيذية أو قضائية، وهو الذي يعيِّن ويعزل كل فرد من أفراد أو أعضاء تلك السلطات -بحسب ما ينظمه القانون- فهو مصدر الولايات، والمشرف على رعاية مصالح الأمة وشئون الدولة وعمالها بما فيهم القضاء والقضاة([63]).

وقد اتفق الفقهاءُ على أن طاعة ولي الأمر مقيدة بعدم مخالفة الشريعة؛ إذ من الأصول المقررة في الشريعة الإسلامية أنه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»([64]).

ثانيًا: سلطة ولي الأمر في رفع الخلاف:

المقصود بذلك رفع العمل بمقتضى الخلاف بين الفقهاء في مسألة معينة؛ بمعنى أنه لا يجوز العمل بغير ما قضى به وليُّ الأمر في تلك المسألة، حتى وإن كان الفقيه يرى خلاف ما انتهى إليه حكمُ ولي الأمر([65]).

قال الدسوقي: «ورفع الخلاف أي رفع العمل بمقتضى الخلاف، فإذا حكم القاضي في جزئية بفسخ عقد لكون مذهبه يراه فالمرتفع بحكمه العمل بمقتضى الخلاف، أي بمقتضى مذهب المخالف؛ فلا يجوز للمخالف أن يحكم في هذه الجزئية بصحة العقد، وليس معناه أن هذه الجزئية يصير الحكم فيها عند المخالف مثل ما حكم به فيها؛ إذ الخلاف الواقع بين العلماء موجود على حاله لا يرتفع؛ إذ رفع الواقع محال»([66]).

فإذا اختلف الفقهاءُ في مسألة على قولين أو أكثر؛ فهل لوليِّ الأمر أن يُلزم القضاة بالقضاء بقول معين من تلك الأقوال من خلال التقنين؛ بحيث يكون إلزام وليِّ الأمر رافعًا للخلاف في المسألة، ولا يكون لأحد بعد ذلك أن يقضي أو يحكم بخلاف ما اختاره ولي الأمر؟

اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

القول الأول:

وهو مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة.

حيث قالوا: إنه لا يجوز لوليِّ الأمر أن يُلزم القاضي بالحكم بمذهب معين أو رأي معين([67]).

وبنوا حكمهم على أن القاضي أُمِرَ بأن يحكم بالحق وما يراه محققًا للعدل، قال الله تعالى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾([68])، والحق غير متعيِّن في مذهب بعينه، وقد يظهر الحقُّ في غير ذلك المذهب([69]).

واعتبروا أن إلزام الحاكم للقاضي بالقضاء بمذهب معين من قبيل الشروط الباطلة، وقد يبطل عقد توليه القضاء أيضًا؛ لأن فيه حجرًا على القاضي([70]).

القول الثاني:

وهو مذهب الحنفية، وقال به القرافي وفريقٌ من محققي المالكية.

ويرى هذا الرأي أنه يجوز لولي الأمر أن يُلزم القاضي بقول يختاره هو، طالما أنه داخل نطاق الشريعة الإسلامية بمذاهبها([71]).

قال الحصكفي: «ولو قيده السلطانُ بصحيح مذهبه كزماننا تقيد بلا خلاف لكونه معزولًا عنه»([72])، أي: معزولًا عن غير ما قيد به([73]).

وقال القرافي: «اعلم أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف، ويرجع المخالفُ عن مذهبه لمذهب الحاكم، وتتغير فتياه بعد الحكم عما كانت عليه، على القول الصحيح من مذاهب العلماء»([74]).

ومثله عن ابن عابدين، قال: «على أن قضاء القاضي في محل الاجتهاد يرفع الخلاف»([75]).

وفي حاشية الفروق للمكي: «وأما ما يتأتى فيه حكم الحاكم فضبطه الأصل بأربعة قيود، فقال: إنما يؤثر حكم الحاكم إذا أنشأه في مسألة اجتهادية تتقارب في المدارك؛ لأجل مصلحة دنيوية. قال: فقيد الإنشاء احتراز من حكمه في مواقع الإجماع؛ فإن ذلك إخبار وتنفيذ محض، وأما في مواضع الخلاف فهو ينشئ حكمًا، وهو إلزام أحد القولين اللذين قيل بهما في المسألة، ويكون إنشاؤه إخبارًا خاصًّا عن الله تعالى في تلك الصورة من ذلك الباب»([76]).

وجاء في مجلة الأحكام العدلية في المادة (1801): «وكذلك ‌لو ‌صدر ‌أمر ‌سلطاني بالعمل برأي مجتهد في خصوص لمَا أنَّ رأيه بالناس أرفق ولمصلحة العصر أوفق؛ فليس للقاضي أن يعمل برأي مجتهد آخر منافٍ لرأي ذلك المجتهد، وإذا عمل لا ينفذ حكمه»([77]).

وقال ابن فرحون: «وقال الشيخ أبو بكر الطرطوشي: أخبرني القاضي أبو الوليد الباجي أن الولاة كانوا بقرطبة إذا وَلَّوْا رجلًا القضاء شرطوا عليه في سجله أن لا يخرج عن قول ابن القاسم ما وجده. قال الشيخ أبو بكر: وهذا جهل عظيم منهم، يريد لأن الحق ليس في شيء معين، وإنما قال الشيخ أبو بكر هذا؛ لوجود المجتهدين وأهل النظر في قضاة ذلك الزمان فتكلم على أهل زمانه، وكان معاصرًا للإمام أبي عمر بن عبدالبر، والقاضي أبي الوليد الباجي، والقاضي أبي الوليد بن رشد، والقاضي أبي بكر بن العربي، والقاضي أبي محمد بن عطية صاحب التفسير، وغير هؤلاء من نظرائهم، وقد عدم هذا النمط في زماننا من المشرق والمغرب، وهذا الذي ذكره الباجي عن ولاة قرطبة ورد نحوُه عن سحنون، وذلك أنه ولَّى رجلًا القضاء، وكان الرجل ممن سمع بعض كلام أهل العراق، فشرط عليه سحنون أن لا يقضي إلا بقول أهل المدينة، ولا يتعدى ذلك، قال ابن راشد: وهذا يؤيد ما ذكره الباجي، ويؤيد ما قاله الشيخ أبو بكر، فكيف يقول ذلك والمالكية إذا تحاكموا إليه فإنما يأتونه؛ ليحكم بينهم بمذهب مالك؟! وقد تقدم في فصل التحكيم عن اللخمي أن الحَكَم إذا كان مجتهدًا والخصام بين مالكيين، فإن لم يخرج باجتهاده عن مذهب مالك نفذ حكمه، وإن خرج عن ذلك لم يلزم حكمه بينهما، فانظر تمام ذلك هناك، وذكر المازري نحو ذلك»([78]).

وما نقله ابنُ فرحون المتوفى سنة (799هـ) يفيد أنه نظرًا لعدم هذا النوع من المجتهدين أمثال ابن عبدالبر والباجي وابن رشد وابن العربي وأضرابهم؛ فإنه لا وجه للقول بعدم جواز إلزام وليِّ الأمر للقضاة أن يقضوا برأي معين. بل إن الحَكَم يلتزم برأي معين وإن كان مجتهدًا.

بل ناقش ابنُ فرحون رأيَ الطرطوشي المتوفى سنة (520هـ) بأن قوله بمنع ذلك إنما كان يتماشى مع زمانه، الذي كان فيهم مَن ذكرنا من كبار فقهاء المالكية.

وإذا كان ابن فرحون يقول ذلك في القرن الثامن الهجري، فما بالنا نحن في القرن الخامس عشر الهجري؟!

وهذا الذي ذكره ابن فرحون يمكن أن يُفسَّر به مذهب الجمهور.

واستدل أصحابُ هذا القول بالمصلحة، وبوجوب طاعة ولي الأمر.

أما المصلحة فلما في التقنين من التيسير على القضاة والمتقاضين في معرفة الأحكام، لا سيما وقد أصبح القضاة الآن غير مجتهدين، ولا يخفى ما يمكن أن يلاقوه من العنت والمشقة جراء البحث في مصادر الفقه الإسلامي.

فضلًا عما يتسبب فيه ذلك من تضييع لوقت المتقاضين وتأخير الفصل في القضايا، في الوقت الذي ثقل فيه كاهل القاضي بكَمٍّ كبيرٍ من القضايا([79]).

وأيضًا لما في ذلك من توحيد الأحكام في الدولة، وطمأنة المتقاضين، وحماية القضاة من التهم، والتعريف بالأحكام قبل تنفيذها لتكون مستقرةً عند الناس، وغير ذلك مما سبق بيانه عند ذكر مبررات التقنين.

كما أن ذلك من قبيل السياسة الشرعية التي يراها الحاكم، ويسلكها مع رعيته، وهي أيضًا تعتمد على أصل المصلحة([80]).

وأما وجوب طاعة ولي الأمر؛ فلأن القاضي وكيل عنه، وعلى الوكيل التزام أمر الموكِّل([81]).

ويشهد لذلك قول الشعبي: «كَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى شُرَيْحٍ: إِذَا أَتَاكَ أَمْرٌ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى فَاقْضِ بِهِ، وَلَا ‌يَلْفِتَنَّكَ ‌الرِّجَالُ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللهِ وَكَانَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْضِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللهِ وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ فَاقْضِ بِمَا قَضَى بِهِ أَئِمَّةُ الْهُدَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللهِ وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فِيمَا قَضَى بِهِ أَئِمَّةُ الْهُدَى؛ فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ، إِنْ شِئْتَ تَجْتَهِدُ رَأْيَكَ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤَامِرَنِي، وَلَا أَرَى مُؤَامَرَتَكَ إِيَّايَ إِلَّا أَسْلَمَ لَكَ»([82]).

وهي داخلة في الطاعة الواجبة؛ إذ إن طاعة وليِّ الأمر في اختيار قول من قولين ليس فيها طاعة في معصية؛ فإن المسائل الخلافية لا يقطع فيها بصحة قول وخطأ الآخر، وإنما تبقى احتمالية اجتهادية.

الترجيح:

نرى أن الرأي الثاني القائل به الحنفية ومن وافقهم من محققي المالكية هو الأولَى بالقبول؛ لأن أمور الناس لا تستقيم إلا بتوحيد أحكام المعاملات والأحوال الشخصية ونحوها مما يتعلق بالتشاحِّ بين طرفين ونحو ذلك، ولو ترك القضاة وما يرون أو يعتقدون لتفاوت القضاء من قاضٍ إلى آخر، أو من إقليم إلى إقليم داخل الدولة الواحدة، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى الفوضى، ولا يحقق العدالة المبتغاة.

وهذه مصلحة كبرى. وهي من قبيل السياسة الشرعية -كما سبقت الإشارة.

وقد تبين لنا تفسير مذهب الجمهور، وأن منع ذلك إنما كان لتوافر المجتهدين الكبار حتى قرابة المائة الخامسة ونحوها، أما في القرن الثامن فقد اعتبر ابنُ فرحون أن ذلك المجتهد الذي يجب عليه أن يحكم بما أداه إليه اجتهاده لم يعد موجودًا، وأن حكم أيِّ فقيه لن يعدو أن يكون التزامًا بمذهب إمامه؛ ومن ثم فالحكم بما يُلزم به وليُّ الأمر أَوْلَى وأَوْلَى؛ فإلزامه مبنيٌّ على رأي ذوي الرأي وأصحاب العلم والخبرة.

وإلى هذا ذهب جمهرةُ الفقهاء المعاصرين، كالإمام محمد عبده، والشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ أحمد محمد شاكر، والشيخ علي الخفيف، والشيخ محمد أبي زهرة، والشيخ حسنين مخلوف وخلق سواهم لا يحصون([83]).

يقول الأستاذ مصطفى الزرقا: «‌والاجتهاد ‌الإسلامي ‌قد ‌أقرَّ لوليِّ الأمر العام من خليفة أو سواه أن يحد من شمول بعض الأحكام الشرعية وتطبيقها، أو يأمر بالعمل بقول ضعيف مرجوح إذا اقتضت المصلحة الزمنية ذلك، فيصبح هو الراجح الذي يجب العمل به، وبذلك صرح فقهاؤنا وفقًا لقاعدة المصالح المرسلة، وقاعدة تبدُّل الأحكام بتبدُّل الزمان. ونصوص الفقهاء في مختلف الأبواب تفيد أن السلطان إذا أمر بأمرٍ في موضوع اجتهادي (أي: قابل للاجتهاد، غير مصادم للنصوص القطعية في الشريعة) كان أمره واجب الاحترام والتنفيذ شرعًا، فلو منع بعض العقود لمصلحة طارئة واجبة الرعاية، وقد كانت تلك العقود جائزةً نافذةً شرعًا؛ فإنها تصبح بمقتضى منعه باطلة أو موقوفة على حسب الأمر.

وهذا من سماحة الفقه الإسلامي وسجاحته ومرونته التي أكسبته قابلية للوفاء بمصالح الأزمان والأجيال»([84]).

وقد ذكر الماوردي أن السياسة تقتضي ألا ينتقل القاضي من مذهب إلى مذهب «إذا أداه اجتهاده إليه؛ لما يتوجه إليه من التهمة والممايلة في القضايا والأحكام، وإذا حكم بمذهب لا يتعداه كان أنفى للتهمة وأرضى للخصوم»([85]).

وما استدلَّ به أصحابُ القول الأول من قوله تعالى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾([86]) متوجه إلى وليِّ الأمر كما هو متوجه إلى القضاة، بل أولى لما ذكرنا من معانٍ.

وكذلك سلطة وليِّ الأمر في التشريع في المسائل الاجتهادية المستحدثة التي لم يرد بشأنها حكم، مما يطرح على الفقهاء والمجتهدين لبحثه وبيان حكمه؛ فإنه في حال الاختلاف بينهم يكون أيضًا لوليِّ الأمر رفع الخلاف باختيار أحد القولين في المسألة، وإلزام الناس به، بشرط الرجوع لأهل الاختصاص من الفقهاء وعلماء الشريعة في اختياره.

وهذا كله من قبيل السياسة الشرعية وما تقتضيه من استحداث أحكام للناس بحسب دواعي الحاجة وتطور الزمن([87]).

قال ابن فرحون: «والسياسة نوعان: سياسة ظالمة فالشرع يحرِّمها، وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم وتدفع كثيرًا من المظالم وتردع أهل الفساد، ويتوصل بها إلى المقاصد الشرعية. فالشرعية يجب المصير إليها والاعتماد في إظهار الحق عليها، وهي باب واسع تضل فيه الأفهام وتزل فيه الأقدام، وإهماله يضيع الحقوق ويعطل الحدود ويجرِّئ أهل الفساد ويعين أهل العناد. والتوسع فيه يفتح أبواب المظالم الشنيعة، ويوجب سفك الدماء، وأخذ الأموال بغير الشريعة، ولهذا سلك فيه طائفة مسلك التفريط المذموم فقطعوا النظر عن هذا الباب، إلا فيما قلَّ ظنًّا منهم أن تعاطي ذلك منافٍ للقواعد الشرعية، فسدُّوا من طرق الحق سبيلًا واضحة، وعدلوا إلى طريق من العناد فاضحة؛ لأن في إنكار السياسة الشرعية ردًّا للنصوص الشرعية وتغليطًا للخلفاء الراشدين. وطائفة سلكت في هذا الباب مسلك الإفراط فتعدوا حدود الله وخرجوا عن قانون الشرع إلى أنواع من الظلم والبدع السياسية، وتوهموا أن السياسة الشرعية قاصرة عن سياسة الخلق ومصلحة الأمة، وهو جهل وغلط فاحش، فقد قال عز من قائل: ﴿‌الْيَوْمَ ‌أَكْمَلْتُ ‌لَكُمْ ‌دِينَكُمْ﴾([88]) فدخل في هذا جميع مصالح العباد الدينية والدنيوية على وجه الكمال. وقال صلى الله عليه وسلم: «تركتُ فيكم ما إنْ تمسَّكتُم به لن تَضِلُّوا: كتابَ الله، وسُنَّتي»([89]). وطائفة توسطت وسلكت فيه مسلك الحق وجمعوا بين السياسة والشرع؛ فقمعوا الباطل ودحضوه، ونصبوا الشرع ونصروه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم»([90]).

وقال في موضع آخر مؤصلًا للسياسة الشرعية ومستدلًّا على مشروعيتها: «قال القرافي: واعلم أن التوسعة على الحكام في الأحكام السياسية ليس مخالفًا للشرع، بل تشهد له الأدلة المتقدمة، وتشهد له أيضًا القواعد الشرعية من وجوه:

أحدها: أن الفساد قد كثر وانتشر بخلاف العصر الأول، ومقتضى ذلك اختلاف الأحكام بحيث لا تخرج عن الشرع بالكلية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، وترك هذه القوانين يؤدي إلى الضرر، ويؤكد ذلك جميع النصوص الواردة بنفي الحرج.

وثانيها: أن المصلحة المرسلة قال بها مالك رضي الله عنه وجمع من العلماء، وهي المصلحة التي لم يشهد الشرع باعتبارها ولا بإلغائها، ويؤكد العملَ بالمصالح المرسلة أن الصحابة رضوان الله عليهم عملوا أمورًا لمطلق المصلحة، لا لتقدم شاهد بالاعتبار، نحو كتابة المصحف، ولم يتقدم فيه أمر ولا نظير، وولاية العهد من أبي بكر لعمر رضي الله عنهما ولم يتقدم فيها أمر ولا نظير، وكذلك ترك الخلافة شورى بين ستة، وتدوين الدواوين، وعمل السكة للمسلمين، واتخاذ السجن، وغير ذلك مما فعله عمرُ رضي الله عنه، وهدم الأوقاف التي بإزاء المسجد -يعني مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم- والتوسعة بها في المسجد عند ضيقه، وحرق المصاحف وجمعهم على مصحف واحد، وتجديد أذان في الجُمعة بالسوق مما فعله عثمان رضي الله عنه، وغير ذلك كثير جدًّا فُعِلَ لمطلق المصلحة.

وثالثها: أن الشرع شدَّد في الشهادة أكثر من الرواية؛ لتوهم العداوة، فاشترط العدد والحرية، ووسع في كثير من العقود للضرورة، كالعرايا والمساقاة والقراض وغيرها من العقود المستثناة، وضيق في الشهادة في الزنا؛ فلم يقبل فيه إلا أربعة يشهدون بالزنا كالمرود في المكحلة، وقبل في القتل اثنين، والدماء أعظم لكن المقصود الستر، ولم يحوج الزوج الملاعن إلى بينة غير أيمانه، ولم يوجه إليه حد القذف، بخلاف سائر القذفة؛ لشدة الحاجة في الذب عن الإنسان وصون العيال والفرش عن أسباب الارتياب. وهذه المباينات والاختلافات كثيرة في الشرع لاختلاف الأحوال؛ فلذلك ينبغي أن يراعى اختلاف الأحوال والأزمان؛ فتكون المناسبة الواقعة في هذه القوانين السياسية مما شهدت لها القواعد بالاعتبار، فلا تكون من المصالح المرسلة، بل أعلى رتبة فتلحق بالقواعد الأصلية.

ورابعها: أن كل حكم في هذه القوانين ورد دليلٌ يخصه، أو أصل يقاس عليه كما تقدم في أدلة الباب، وقد تقدم ذكرنا لكلام بعض العلماء، وهو المذهب. على أنه قال: إن لم نجد في جهة إلَّا غيرَ العدول أقمنا أصلحهم وأقلَّهم فجورًا للشهادة عليهم، ويلزم مثل ذلك في القضاة وغيرهم؛ لئلا تضيع المصالح وتتعطل الحقوق والأحكام، وما أظن أنه يخالفه أحد في هذا؛ فإن التكليف مشروط بالإمكان، وإذا جاز نصبُ الشهود فسقةً لأجل عموم الفساد جاز التوسع في الأحكام السياسية لأجل كثرة فساد الزمان وأهله. وقد قال عمر بن عبدالعزيز: “سيحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور”. قال القرافي: ولا نشك أن قضاة زماننا وشهودهم وولاتهم وأمناءهم لو كانوا في العصر الأول ما وُلُّوا ولا عُرِّج عليهم، وولاية هؤلاء في مثل ذلك العصر فسوق؛ فإن خيار زماننا هم أراذل ذلك الزمان، وولاية الأراذل فسوق، فقد حسن ما كان قبيحًا، واتسع ما كان ضيقًا، واختلفت الأحكام باختلاف الأزمان.

وخامسها: أنه يعضد ذلك من القواعد الشرعية أن الشرع وسع للمرضع في النجاسة اللاحقة لها من الصغير مما لم تشاهده كثوب الإرضاع، ووسع في زمان المطر في الطين على ما فيه من القذر والنجاسة، ووسع لأصحاب القروح في كثير من نجاستها، ووسع للغازي في بول فرسه، ووسع لصاحب البواسير في بللها، وجوَّز الشارع ترك أركان الصلاة وشروطها إذا ضاق الحال كصلاة الخوف ونحوها، وذلك كثير في الشرع؛ ولذلك قال الشافعي: “ما ضاق شيء إلا اتسع”. يشير إلى هذه المواطن، فكذلك إذا ضاق علينا الحال في درء المفاسد اتسع، كما اتسع في تلك المواطن.

وسادسها: أن أول بدء الإنسان في زمن آدم عليه السلام كان الحال ضيقًا، فأبيحت الأخت لأخيها وأشياء كثيرة وسع الله تعالى فيها، فلما اتسع الحال وكثرت الذرية حرم ذلك في زمن بني إسرائيل، وحرم السبت والشحوم والإبل وأمور كثيرة، وفُرض عليهم خمسون صلاة، وتوبة أحدهم بالقتل لنفسه، وإزالة النجاسة بقطعها، إلى غير ذلك من التشديدات. ثم جاء آخر الزمان وضعف الجسد وقلَّ الجَلَد؛ فلطف الله بعباده، فأحلت تلك المحرمات، وخففت الصلوات، وقبلت التوبات.

فقد ظهر أن الأحكام والشرائع بحسب اختلاف الزمان، وذلك من لطف الله عز وجل بعباده، وسنته الجارية في خلقه؛ فظهر أن هذه القرائن لا تخرج عن أصول القواعد، وليست بدعًا عما جاء به الشرع المكرم»([91]).

ثالثًا: سلطة ولي الأمر في تقييد المباح:

التقييد في اللغة: مصدر قيَّد يُقيِّد. والقَيْد: حبل ونحوه يُجعل في رجل الدابة وغيرها فيمسكها. وجمعه أقياد وقيود. يقال: فرس قَيْد الأوابد، أي: سريع العدو يدرك الوحوش ويمنعها الشِّراد؛ فكأنه قيد لها. وقَيَّد العلمَ بالكتاب: أثبته وضبطه، وقَيَّد الخطَّ: نقطه وشكَّله، وقَيَّد الشيء في دفتر أو ورقة: سجَّله([92]).

فمعناه يدور حول المنع والضبط.

فالذي يملك حق التقييد هو ولي الأمر، وذلك بوضع القيود المانعة من التصرف، أو إحداث ضوابط وتنظيمات جديدة والإلزام بها ومنع ما عداها([93]).

والمباح لغةً: يعني المطلق والحلال والمأذون فيه، وهو خلاف المحظور، مشتق من الإباحة وهي الإعلان والإظهار([94]).

وعند الأصوليين المباح أحد الأحكام التكليفية الخمسة.

أما تقييد المباح فلم نجد تعريفًا له عند القدامى، وعرَّفه المعاصرون بعدة تعريفات. منها: أنه «الحد من مباشرة الحق بقيود من الشارع ابتداءً أو بنظر فقهي ملزم ولمصلحة معتبرة»([95]).

ومنها: «ترجيح أحد طرفيه لأسباب مشروعة ومؤقتة على سبيل الإلزام أو الندب، ما لم يوجد مانع شرعي من نصٍّ خاص أو قاعدة كلية»([96]).

ومنها: أنه «إيقاف فعل المباح أو تعطيله أو الامتناع عنه بقيد شرعي أو بنظر فقهي؛ اعتبارًا للحال أو الانتقال أو المآل»([97]).

وللفقهاء في حكم تقييد وليِّ الأمر للمباح رأيان([98]):

الرأي الأول:

أنه ليس لوليِّ الأمر تقييد المباح، أي أنه لا يجوز له أن يلزم بالعمل بالمباح فيجعله واجبًا أو مندوبًا، ولا أن يحظره وينهى عنه فيجعله حرامًا أو مكروهًا، وإذا أمر به أو نهى عنه لا تجب طاعته فيه([99]).

الرأي الثاني:

ويرى أصحابُ هذا الرأي وجوبَ طاعة وليِّ الأمر في تقييده للمباح بالمنع أو بالإيجاب.

ونصَّ عليه الحنفية، وبعض المالكية، وبعض محققي الشافعية -على حد تعبير الألوسي([100]).

واستندوا لعموم الأمر بطاعة أولي الأمر، الوارد في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾([101]).

ولأن الامتثال لوليِّ الأمر في تقييد المباح أمرًا أو نهيًا لا يترتب عليه معصية؛ فتجب طاعةُ وليِّ الأمر في الأمر بفعله أو تركه، بشرط ألا يؤدي ذلك إلى حرام، وأن تكون فيه مصلحة عامة، ويحقق مقصدًا من مقاصد الشريعة. فهو من قبيل السياسة الشرعية المخوَّلة للإمام([102]).

ولذلك يقول الفقهاء: «إنَّ تصرفَ الإمامِ على الرعيةِ مَنُوطٌ بالمصلحة»([103]).

ولأن له باعتباره وكيلًا عن الأمة في حفظ حقوق أفرادها أن ينشئ من الأحكام والتنظيمات ما يراعي فيه أعراف الناس وأحوالهم المتجددة بما يحفظ حقوقهم ويحقق مصالحهم([104]).

ووفقًا لهذا الرأي يجوز لوليِّ الأمر أن يمنع المباح تارةً، وأن يأمر به تارةً أخرى، فيقيده وفقًا لما يئول إليه المنع أو الأمر بحسب الحال والزمان والمكان، وهذا التقييد ليس على سبيل الدوام؛ فهو مؤقَّت باستمرار الحاجة أو الضرورة الداعية لترجيح أحد تلك الأمور؛ فالمنع أو الأمر أو التقييد هو ترجيح بعض الخيارات لأسباب معقولة ومؤقَّتة ما لم يوجد مانع شرعي من نصٍّ خاصٍّ أو قاعدة كلية أو ضابط؛ فالمباح ليس مباحًا بإطلاق؛ لأن منعه أو الإلزام به أو تقييده تتعلق به حقوق الآخرين، ولا بد من مراعاتها، وولي الأمر وهو يمنع أو يلزم أو يقيد الإباحة لا يقيدها بالهوى، بل بالنظر لمصلحة الرعية، فإذا وافقها كان فعله مشروعًا، وإن كان على خلاف ذلك كان مطلوب الترك([105]).

بالنظر في كلا الرأيين وما استند عليه كلٌّ منهما نرى أن الراجح هو الرأي الثاني القائل بأن لوليِّ الأمر أن يقيد المباح بالإلزام به أو حظره حسب ما يراه من مصلحة معتبرة في ذلك، وبمراعاة مجموعة من الضوابط؛ منها: أن يكون المباح قابلًا للتقييد، وأن يكون تقييد المباح مؤقتًا إذا كان مما نصَّ الشارعُ على إباحته، وألا يتعارض تقييد المباح مع الأدلة والقواعد الشرعية، وأن يهدف تقييد المباح لتحقيق مقصد شرعي، وألا يؤدي تقييد المباح إلى ضرر أو إلى محرم.

 

 

 

 

 

 

ثانيًا: الإلزام الفقهي بتطبيق القانون وآثاره:

  • الإلزام الفقهي بتطبيق القانون:

ينطلق النظام الاقتصادي الإسلامي من أحكام وتشريعات وردت في القرآن الكريم كان أساسها قول الله تعالى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾([106])، كما تناولت السنةُ المطهرة حفظ الأحكام وفسرتها وتناولتها أحكام الفقه الميسرة بالتفصيل والبيان؛ لتوضح للمجتمع البشري كله الأعمال والأنشطة التي تعود بالخير والنفع وتنهى عن أعمال أخرى ضارة؛ بل ومدمِّرة للإنسانية كلها، ويدعو الإسلامُ إلى استثمار وتنمية الموارد وإنتاج السلع والخدمات التي يحتاجها المجتمع؛ بل ويعتبرها فرضًا واجبًا على المجتمع كله؛ فالإسلام يرسم الطريق الصحيح للسعي لطب الرزق وعفة النفس عن السؤال والحاجة؛ فيعتبر طلب الرزق فريضة وعبادة؛ فنحن المسلمين مطالبون بالاستثمار والعمل ما استطعنا، وعلى كل من يستطيع العمل ألا يدخر وسعًا في سبيل إتقان عمله وتنمية نشاطه وتطويره تطبيقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن اللهَ يحبُّ إذا عمل أحدُكم عملًا أن يُتقِنَه»؛ فإذا حدث إسراف في الوقت أو الجهد أو المال أو موارد كان يمكن استثمارها فيقع الإثم على مَن أسرف في ذلك؛ فالجهد المبذول في زيادة السلع والخدمات طاعة وعبادة، وهذا هو الوازع الذي مكن الصحابة رضوان الله عليهم من أن يكونوا سادة البشرية في أقل من خمس وعشرين عامًا، وبلغ الاقتصاد خلال فترتهم من حد الكفاف إلى حد الرفاهية، وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾([107])، وإذا كانت الربحية التجارية هي المؤشر الأساسي عند اختيار بدائل الاستثمار الذي يحكم مشكلة اتخاذ قرار الاستثمار الرأسمالي بالنسبة للمشروع الخاصِّ مع إضافة معيار الربحية القومية بهدف تعظيم القيمة المضافة؛ فإن المعايير الملائمة في ضوء الشريعة الإسلامية تتصف بالصفة العقيدية للاستثمار المتفق مع قواعد التشريع الإسلامي؛ بمعنى أن يكون هذا الاستثمار تنمويًّا بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ؛ بمعنى أنه يشمل قضية التنمية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والعقلية، وليس مجرد استثمار لإنماء المال؛ فالاستثمار الإسلامي مشروط، ومن ثمَّ فإن منطلق تعظيم الربح بأي طريقة مرفوض في هذا الاستثمار، ومن هنا نبع الإلزام الفقهي بتطبيق المعايير الشرعية باعتبارها الضابط لشرعية الاستثمار الإسلامي([108]).

ولكون المعايير هي من باب الفتوى فإن إلزام إدارات المؤسسات المالية الإسلامية بها يرتبط ببيان مسألة إلزامية الفتوى عند العلماء؛ والفتوى بطبيعتها ليست ملزمة؛ فهي إخبار عن حكم الشرع لمن سأل عنه بدليله من غير إلزام، ولكنها تكون ملزمة في بعض الحالات:

الحالة الأولى: التزام المستفتي بالعمل بالفتوى؛ فإذا التزم السائلُ المستفتي أن يعمل بفتوى معينة صارت لازمةً في حقِّه.

الحالة الثانية: شروع المستفتي في تنفيذ الحكم الشرعي الذي كشفته الفتوى، والعمل به. وهذه الحالة أوجب من سابقتها؛ لأن الشروع في العمل والتنفيذ أشد من مجرد الالتزام.

الحالة الثالثة: إذا اطمأن قلبُ المستفتي إلى صحة الفتوى ووثق بها يلزمه العمل بها؛ لأنها تمثل له حكم الله في الواقعة محل الفتوى.

الحالة الرابعة: إذا بذل المستفتي وُسعَه للوقوف على حكم الواقعة ولم يجد إلا مفتيًا واحدًا لزمه الأخذ بفتواه. أما إذا وجد مفتيًا آخر؛ فإن توافقت فتواهما لزم العمل بها، وإن اختلفتا فإن استبان له الحق في إحداهما لزمه العمل بها، وإن لم يستبن له الحق منهما ولم يتيسر له الاستيثاق بمفتٍ ثالثٍ كان عليه أن يعمل بقول المفتي الذي تطمئن إليه نفسُه في دينه وعلمه([109])؛ عملًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اسْتَفْتِ نَفْسَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ»([110]).

وعليه فلا يجب على المستفتي العمل بقول المفتي لمجرد إفتائه إلا في هذه الحالات؛ يقول ابنُ السمعاني عن التزام المستفتي بقول المفتي: «ويجوز أن يقال: إنه يلزمه إذا أخذ في العمل به. وقيل: يلزمه إذا وقع في نفسه صحته وحقيته. وهذا أولى الأوجه»([111])؛ ويعقِّب ابنُ الصلاح على قول السمعاني بقوله: «والذي تقتضيه القواعد أن نفصل فنقول: إذا أفتاه المفتي نظر، فإن لم يوجد مفتٍ آخر لزمه الأخذ بفتياه، ولا يتوقف على التزامه لا بالأخذ به في العمل به ولا بغيره، ولا يتوقف أيضًا على سكون نفسه إلى صحته في نفس الأمر، فإن فرضه التقليد كما عرف، وإن وجد مفتٍ آخر، فإن استبان له أن الذي أفتاه هو الأعلم الأوثق لزمه ما أفتاه به بناء على الأصح في تعيينه كما سبق، وإن لم يستبن ذلك لم يلزمه ما أفتاه به بمجرد إفتائه إذ يجوز له استفتاء غيره وتقليده ولا يعلم اتفاقهما في الفتوى فإن وجد الاتفاق أو حكم به عليه حاكم لزمه حينئذ»([112]).

وقال الخطيب البغدادي: «إذا لم يكن بالموضع الذي هو فيه مفتٍ سواه لزمه فتوى من استفتاه لقولـه تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾([113])، وقولـه تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾([114]).

ونخلص من ذلك إلى أن الفتوى واجبة على المفتي إذا سُئل ولم يوجد مفتٍ آخر، وأن المستفتي لا يلتزم بفتوى المفتي وجوابه إلا إذا ألزم نفسه، أو إذا أخذ في العمل بقول المفتي وجوابه، أو إذا وقع في نفسه صحته وحقيته وهذا أولى الأوجه عند من يراه، أو إذا اختار المفتي، أو إن لم يكن بالموضع الذي هو فيه مفتٍ سواه، أو إذا استبان للمستفتي أن الذي أفتاه هو الأعلم الأوثق، أو إذا اتفق قولُ مَن وجده منهم أو حكم بقول المفتي حاكم، أو أن يفتيه بقول مجمَع عليه لعدم جواز مخالفة الإجماع، وإذا استفتى المتنازعان في حقٍّ فقيهًا والتزما العمل بفتياه فيجب العمل بما أفتاهما.

ولما كانت المعايير الشرعية قد صدرت عن جماعة موثوقة من العلماء المتخصصين في مجال المالية الإسلامية بحيث لم يكن غيرهم أعلم بمجال المالية الإسلامية منهم، فيمكن القول بأن إدارات المؤسسات المالية الإسلامية “المستفتين” لم يكن لهم بدٌّ من الرجوع إلى فتاوى هؤلاء المتخصصين؛ لعدم وجود غيرهم، فيتضح لنا أن تطبيق المعايير الشرعية مُلزم لإدارات المؤسسات المالية والمصرفية؛ ويزيد تأكد الإلزام الفقهي لهذه الإدارات ما إن ألزموا نفسهم بالأخذ بهذه المعايير أو أوجبت القوانين والأنظمة الأخذ بها.

وبهذا يُقال: إن المعايير التقليدية إذا كانت تستمد قوتها من الالتزام بها من الجهات الرقابية الإشرافية؛ لكن لا شك في أن هناك قوة إلزامية ذاتية في المعايير الشرعية تستمدها من الالتزام بالشريعة المقررة في المؤسسات المالية الإسلامية([115]).

  • أثر الإلزام الفقهي بتطبيق القانون:

هناك آثار عدة تتحقق من الإلزام الفقهي بتطبيق المعيار الشرعي؛ منها([116]):

  • التحقق من أن المتعاملين مع المؤسسات المالية يستثمرون مدخراتهم على وجه حلال، أو يحصلون على تمويلات مشروعة من خلال صيغ التمويل التي نظمتها المعايير الشرعية؛ فإن عدم الإلزام الفقهي بالمعايير الشرعية يتيح للمؤسسات المالية الإسلامية العمل وَفق معايير ومبادئ قد تخالف الشريعة الإسلامية.
  • تمكين المؤسسات المالية الإسلامية من الدخول في عمليات مشتركة (تمويل مجمع)؛ إذ إن عدم الإلزام النظامي بتطبيق المعايير الشرعية يمنع الاتفاق على الدخول في تلك التمويلات بسبب اختلاف الحكم على العملية؛ لتباين الأسس المستند إليها؛ حتى لو كانت كلها شرعية؛ لأن المعايير الشرعية يُختار فيها من الاتجاهات الفقهية ما هو أدعى للقبول العامِّ من شتى المؤسسات وهيئاتها الشرعية.

 

 

 

  • أثر الإلزام النظامي بتطبيق القانون:

هناك آثار عدة تتحقق من الإلزام النظامي بتطبيق المعيار الشرعي؛ منها([117]):

  • الفوائد الإيجابية في العمل المحاسبي الإسلامي من حيث تشكيل مرجع ومنهج عمل معتبَر يرجع إليها المحاسب عند تنفيذ العمليات المحاسبية وترجع إليها أجهزة الرقابة الخارجية ومراقب الحسابات الخارجي، وتشكيل خارطة طريق بأن توضح تلك المعايير المعالجات المحاسبية لعمليات المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية، وهذا يحقق مبدأ التوحيد والثبات؛ كما تؤثر المعايير أثرًا إيجابيًّا كبيرًا في العمل المالي الإسلامي بتحقيق الثقة في القوائم المالية المنشورة للمؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية؛ كل ذلك يؤدي إليه الإلزام النظامي بالمعايير الشرعية.
  • عدالة الحكم على أداء المؤسسات؛ لأن ذلك لا يتحقق إلا بوجود صعيد مشترك من التطبيقات؛ حيث لا تُعد المؤسسة ناجحة إذا حققت دخلًا أكبر دون مراعاة المتطلبات الشرعية فضلًا عن أن الدخل المنافي للشريعة يجب التخلص منه، والإلزام النظامي بتطبيق المعايير الشرعية يحقق تواجد هذا الصعيد المشترك.
  • الإلزام النظامي بتطبيق المعايير الشرعية يعمل على تحقيق التقارب أو التجانس في التصورات والتطبيقات بين هيئات الرقابة الشرعية للمؤسسات المالية من حيث العقود والنماذج المستخدمة والمنتجات المطروحة والفتاوى الصادرة، وهذا يجعل تطوير المنتجات أكثر كفاءة وأقل تكلفة؛ لأنها توجه جميع جهود المنتجين نحو هدف واحد.
  • حماية المتعاملين مع المؤسسات؛ لأنها تضمن وجود حد أدنى من المواصفات لا يحتاج معه المتعامل إلى التحقق من مستوى الجودة؛ إذ يضمنه المطابقة للمعيار.
  • تسهيل عملية الإشراف الحكومي على القطاع الخاص؛ لما يترتب على ذلك من مواصفات مشتركة للمنتجات، كما أنه يقلل من الحاجة لهذا الإشراف الحكومي؛ الأمر الذي يكون له أثر إيجابي على تقليل التكاليف.
  • تحقيق مزيد من المنافسة بين مقدِّمي الخدمة، وتصبح هذه المنافسة أكثر جدوى لأنها تنصرف إلى التنافس في التسعير بينما تكون المواصفات متوافقة مع المعيار.
  • المساعدة على عملية التطوير؛ لأن المنتجين في غياب المعايير يتخوفون من التحديث والتطوير؛ إذ يصعب على المستهلك أن يلمس الفرق؛ كما أن المنتجين الآخرين لا يكون لديهم الحافز للتطوير؛ الأمر الذي يعني تحمل المطوِّر لمخاطر عالية.

لقد ظهر جليًّا منافع وفوائد المعايير؛ حيث يستفيد من وجودها جميع ذوي العلاقة بالصناعة، وهي متطلب أساسي للنمو والتطور المستمرين المحققين للعدالة بين المتعاملين والاستقرار والكفاءة، وإذا كان ذلك صحيحًا بالنسبة للمعايير بمعناها العام فهو أخص وأكثر صحة في المعايير الشرعية.

إن الباعث الأهم للتعامل مع المصارف الإسلامية هو حرصهم على المباح والحلال ورغبتهم في تجنب المحرمات؛ بل الشبهات؛ ولذلك هم أحوج ما يكونون إلى مكيال عدل ووفاء ومقياس صحيح موثوق به للحكم على هذه المنتجات التي لا يمكن للفرد العادي أن يعرف جوانبها المختلفة حتى يحكم عليها بحل أو حرمة؛ فإذا قيل: هي متوافقة مع المعيار الفلاني. كان هذا دليلًا على أنها تحقق رغبة وتفضيل العملاء لأنهم يرغبون في منتجات متوافقة مع المتطلبات الشرعية؛ فمن هنا يزيد الطلب على الصيرفة والمالية الإسلامية؛ فيكون سببًا للنمو الكبير والتوسع منقطع النظير في الخدمات المالية الإسلامية([118]).

إن الالتزم بالمعايير عمومًا وجني الفوائد والمنافع منها لا يحتاج إلى أن تأمر به الجهات الحكومية المشرفة على العمل المالي ما دام أن هذه الجهات لا تمنع الالتزام بالمعايير؛ فإن الالتزام بها بمبادرة فردية من كل مؤسسة أمرٌ حسن، وتتحقق معه تلك المنافع والفوائد التي أشرنا إليها، والمعايير الشرعية لهيئة المحاسبة بخاصة قد قام على دراستها وإجازتها المجلسُ الشرعيُّ في هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية الذي يضم في عضويته أكثر أعضاء الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية؛ الأمر الذي يعني أن المعايير لا تتعارض مع رأي أي هيئة شرعية معروفة؛ مما يُسهِّل الالتزام بها([119]).

وليُعلَم أن الالتزام بالمعايير الشرعية أو إصدار المعايير الشرعية ليس بديلًا لمعايير قائمة؛ كما هو الحال في المعايير المحاسبية الدولية أو المحلية التي تتبناها الجهات الإشرافية وتصر عليها؛ بل يأتي إتمامًا للمتطلبات الشرعية وضمانًا لجودة المنتجات وتيسيرًا وتسهيلًا على الجهات الإشرافية في القيام بوظائفها([120]).

 

 

 

المطلب الثاني: المقاصد الشرعية كمصدر لقوانين وأنظمة المعاملات المالية.

 

من جوانب العظمة في هذا الدين الحنيف أن الشريعة الإسلامية بما تتضمنه من أحكام ومقاصد تستوعب كل مستجدات المعاملات المالية المعاصرة، بما تتضمنه من معطيات تواكب كل زمان ومكان، حيث يمكن وضع أحكامها في قالب قانوني يسهل الإفادة منه والرجوع إليه.

ولما كانت المعاملات هي جملة التصرفات المالية والاقتصادية والتجارية التي يقوم الناس بها من أجل تبادل المنافع واستحقاقها وتحصيلها، وشُرعت لتنظيم حياة الناس وتحقيق منافعهم وسد حاجاتهم التي تقتضيها حياتهم ويستوجبها معاشهم شرعت جملة من المبادئ العظام لتصحيحها، لذا كان من أهم المرتكزات التي ينبغي أن تكون حاضرة لواضع تقنين المعاملات المالية المعاصرة أن يراعي عند اختيار الحكم على المسألة المراد تقنينها المقاصد الشرعية والمعاني والحِكَم الملحوظة للشارع في المسألة من أوصاف الشريعة وغاياتها العامة، والغايات التي وُضِعت الشريعة الغراء لأجل تحقيقها لمصلحة العباد، فهذه الأسرار والغايات التي وُضِعت الشريعة لأجلها من حفظ الضروريات وإصلاحٍ لأحوال العباد في الدارين معرفتها ضرورية على الدوام لكل من يتصدى لتقنين المعاملات المالية المعاصرة.

والمقاصد التي تُعد من أهم مرتكزات تقنين المعاملات المالية المعاصرة تعود إلى مقصدين عظيمين، كما يأتي:

المقصد الأول: يتمثل في جلب منافع الناس، وسد حاجاتهم ومطالبهم في الغذاء والدواء والكساء، وسائر ما تقتضيه الحياة واستمرارها.

فإن الأحكام الشرعية بعمومها مبنية على تحقيق مصالح الناس وتكميلها، وتعطيل المفاسد المترتبة عنها وتقليلها، وهكذا مقنن المعاملات المالية ينظر قبل صياغته لحكم المسألة إلى هذا الأمر المهم، فإن النوازل المعاصرة مهما اختلفت وتنوعت فإن أحكامها تسير وفق قاعدة الشرع الكلية جالبة لمصلحة ودارئة لمفسدة.

المقصد الثاني: مراعاة التيسير ورفع الحرج عن المكلفين، وهذا مقصد من مقاصد الإسلام الكبرى، حيث جاء ليرفع عن كاهل الأمة أغلال الحرج والعنت، وهذا المقصد معلوم وثابت بالقرآن والسنة، فالشريعة تدور على معنى التيسير وتجعله نصب عينها في كل خطاب تكليفي أيًّا كانت رتبته ودرجته، وهذا التيسير أحاطه العلماء بضوابط شرعية متينة ينبغي ألا تخفى على واضع تقنين المعاملات المالية.

ومن مظاهر هذا التيسير الذي ينبغي على مقنن المعاملات المالية المعاصرة أن يراعيه: القول بأن الأصل فيما يستحدثه الناس من شروط وعقود في معاملاتهم الإباحة، فلا يمنع منها شيء إلا بنص صريح الدلالة صحيح الثبوت، ويبقى ما عدا ذلك على أصل الإباحة؛ فكل شرط وعقد ومعاملة سكت عنها الشارع فإنه لا يجوز القول بتحريمها فإنه إنما سكت عنها رحمة منه من غير نسيان ولا إهمال([121]).

يقول الشيخ ابن تيمية: «والأصل في هذا أنه لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه كما لا يشرع لهم من العبادات التي يتقربون بها إلى الله إلا ما دل الكتاب والسنة على شرعه؛ إذ الدين ما شرعه الله والحرام ما حرمه الله»([122]).

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني: الاختيار الفقهي في المعاملات المالية.

المطلب الأول: التعريف بالاختيار الفقهي.

تعريف الاختيار:

التعريف اللغوي:

الاختيار مأخوذ من الفعل (خير)، وهو التخيير بين الشيئين، يقال: خير بَين الأشياء فضل بَعْضها على بعض، والشَّيء على غَيره فَضله عليه([123]).

التعريف الاصطلاحي:

الاختيار في الاصطلاح الفقهي بمعناه العام يُطلق على اختيار الصحابي، بمعنى مذهبه الفقهي في مسائل الخلاف، كما يطلق على مذاهب التابعين، والأئمة المجتهدين بعدهم، فالتابعون تخيروا من أقوال الصحابة، والأئمة أصحاب المذاهب تخيروا من أقوال الصحابة والتابعين في المسألة الخلافية([124]).

وبمعناه الخاص يطلق على: «اجتهاد الفقيه في معرفة الحكم الشرعي الصحيح في المسائل المختلَف فيها، وذهاب الفقيه إلى قول من أقوال الأئمة أصحاب المذاهب»([125]).

والاختيار الفقهي يمس من قريب القول بتجزؤ الاجتهاد؛ حيث يجتهد من يقوم بعملية الاختيار من أقوال المجتهدين بضوابط معينة… فهو مجتهد مقلِّد أو مقلِّد مجتهد، وإذا كان الاختيار الفقهي ضربًا من الاجتهاد فإن السبب الذي يؤدي بالفقيه إلى تبني قول أو رأي أو مذهب يتقاطع مع أسباب الاجتهاد، والاختلاف بين العلماء في هذا الباب يتقاطع إلى حدٍّ كبيرٍ مع أسباب الاختلاف بين المجتهدين([126]).

 الفرق بين الاختيار الفقهي والترجيح:

يفرق بين الاختيار الفقهي والترجيح بأن الترجيح يعد مقدمة للاختيار الفقهي؛ حيث إن الاختيار هو اجتهادٌ لمعرفة الصواب أو الأقرب إليه، أما الترجيح فهو أن يكون لأحد الدليلين زيادة قوة مع قيام التعارض ظاهًرا([127]).

فالترجيح محله الأدلة، بينما الاختيار الفقهي محله أقوال الفقهاء.

حكم الاختيار الفقهي والأسس التي يقوم عليها:

أولًا: حكم الاختيار الفقهي:

العالم (المفتي) إن بلغ رتبة الاجتهاد واجتهد في الواقعة فلا يجوز له العمل بقول غيره من المجتهدين فيها؛ لأن ظنه لا يساوي الظن المستفاد من غيره، والعمل بأقوى الظنين واجب([128]).

وإن لم يبلغ رتبة الاجتهاد فله أن يختار من أقوال المجتهدين وفتواهم ما يناسب الحال، وهو قول المحققين من الأصوليين؛ كالآمدي، وابن الهمام، وابن أمير الحاج، وأمير بادشاه الحنفي، والجلال المحلي، وابن العطار، وغيرهم([129]).

ثانيًا: الأسس التي يقوم عليها الاختيار الفقهي:

الاختيار الفقهي يجب أن يقوم به أهله من الحائزين الاجتهاد في أي مرتبة من مراتبه، ولا يجوز أن يقوم به مقلد لا حجة معه ولا يستطيع أن يميز بين الأدلة صحيحها من ضعيفها، الثابت منها وغير الثابت، ما يصلح وما لا يصلح، وينبغي أن يقوم الاختيار الفقهي على أسس ثلاثة وهي:

أولًا: فقه النص: بأن لا يخالف دليلًا من الأدلة الشرعية المعتبرة، بل يكون قائمًا على دليل معتبر من الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو القياس، أو غيرها من الأصول الفقهية.

كما يتحقق فقه النص بعدم مخالفة الأحكام القضائية والقوانين المدنية التي تتوافق مع الشرع الشريف.

ثانيًا: فقه المصلحة: بأن يكون الاختيار قائمًا على تحقيق مقاصد الشريعة، وهي تشييد المصالح العامة للأمة، وإقامة العدل والمساواة، ومراعاة العرف الصحيح، وتيسير حياة الناس ورفع الحرج عنهم([130]).

وفي تحقيق فقه المصلحة تيسير على الناس (المستفتين) فيما لم يرد فيه تقنين أو قضاء قاض؛ فمما لا شك فيه أن حمل الناس (المستفتين) جميعًا على مذهب واحد فيه مشقة شديدة؛ وذلك لأن الناس تختلف أحوالهم وعاداتهم، والله تعالى يقول: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118، 119]، وتوسعة نطاق الاختيار الفقهي من المذهب الواحد إلى المذاهب الفقهية الأربعة فيه رفع لتلك المشقة والحرج، والشريعة الإسلامية جاءت لرفع الحرج عن المكلفين، وهو من الأسس التي بني عليها التشريع الإسلامي؛ يقول الإمام الشاطبي: «إن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع»([131]). وذلك كقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقوله تعالى أيضًا: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6]. ويقول النبي الكريم r: «بعثت بالحنيفية السمحة»([132]). وقوله r أيضًا: «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه»([133]). وقوله r أيضًا: «إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين»([134])، وقد قام الإجماع على عدم التكليف بالمشاق، وذلك أن الإجماع قد انعقد بين علماء الأمة على عدم وقوع المشقة غير المألوفة في الدين([135]).

وعلى المفتي أن يراعي أحوال السائلين، فمن غلب عليه التحرج والتشدد وتحميل نفسه ما يرهقها أفتاه بما فيه الترغيب والترخيص، وأخبره بما فيه سعة، وأنه يجزئه القليل من العمل إن كان صوابًا خالصًا، ومن غلب عليه التهاون والتساهل والانحلال من الدين أفتاه بما فيه الترهيب والتخويف والزجر([136]).

ثالثًا: فقه الواقع: بأن يكون القائم على الاختيار الفقهي مدركًا للواقع الذي يعيش فيه، وأن الفتوى تختلف باختلاف جهاتها الأربع (الزمان والمكان والأحوال والأشخاص)([137])، وأن الواقع الذي يعيش فيه الإنسان قد يستدعي حكمًا أو قولًا فقهيًّا يناسبه، فإذا تغير الواقع تغيرت الفتوى، والمراد بالأحكام (الفتاوى) القابلة للتغير هنا: الأحكام النسبية المرتبطة بتلك الجهات الأربع، والأحكام الاجتهادية التي استنبطت بدليل القياس أو المصالح المرسلة أو الاستحسان أو غيرها من الأدلة الفرعية، أما الأحكام المطلقة والأحكام الأساسية النصية بالأمر أو النهي فإنها لا تتغير بتغير الأزمان، ولا بتغير الأماكن، ولا بتغير الناس؛ كوجوب الصلاة والصيام والزكاة والجهاد والأمانة والصدق، وإباحة البيع والشراء، وحرمة الزنا وشرب الخمر([138])

المطلب الثاني: البدائل الشرعية للمعاملات المالية.

لقد وُلِد النظام التشريعي الإسلامي مع بزوغ فجر الإسلام الخالد ونور الهداية في الرسالة المحمدية، ومصادر هذا النظام هي القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية المطهرة والأحكام الفقهية المتراكمة وأصول التشريع المعتمَدة؛ كل ذلك عمل بحيث يستجيب للحاجات المتجدِّدة للمجتمع الإسلامي؛ وهذا النظام مستمدٌّ من دين الإسلام، ولذلك فهو معتمد على وحي الله إلى خير خلقه، وبذلك يتقوى هذا النظام على أي نظام صنعته عقولُ البشر أو أهواؤهم، فهو نظام شامل لأن دين الإسلام شامل ينظم علاقة العبد بربِّه وعلاقته بإخوانه في المجتمع، وقد قدم النظام التشريعي الإسلامي القواعد لكل أنواع العلاقات والمعاملات في سائر المجالات؛ وبخاصة الاقتصادية كمجال الملكية والحرية والعدل والضمان الاجتماعي، وتدخل الدولة، وتوازن المصالح الفردية والجماعية، وبيَّنَ الحلال والحرام في المعاملات اليومية في البيع والشراء والإنفاق والقرض والاكتناز والعمل والتمويل والاستثمار والإنتاج وغيرها مما تزخر به كتب فقهائنا من السلف والخلف؛ كل ذلك على قواعد ثابتة وأصول مستقرة تخدم أغراضًا محددة، وتحقق أهدافًا معروفة بتنظيم دقيق راقٍ معتمد على تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وعلى حفظ مقاصد الشريعة ممثلة في: الدِّين، والنَّفس، والنَّسل، والمال، والعقل، فتشربت الأجيال هذه التعاليم حتى أصبحت جزءًا من شخصيتها وسمة لطريقة تفكيرها([139]).

ولعل من أهم مبادئ التشريع الإسلامي مبدأ رفع الحرج والمشقة؛ يقول تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}([140])، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}([141])، ومن ذلك أن بيَّن الإسلامُ كلَّ ما هو حرام بالنصوص الشرعية وترك ما سواه ضمن دائرة الحلال؛ حيث إن دائرة الحلال هي الأوسع والأرحب؛ إذ إن الأصل في الأشياء الإباحة، أما دائرة الحرام فهي الأضيق، ولذا لم ينص الإسلامُ على أنواع الكسب المشروع، وإنما نصَّ على المحرم منه، وجاء هذا التحريم دفعًا لضرر أو درءًا لظلم، أو وقاية من مفسدة، أو حماية من مضرة.

والإنسان بطبيعته خُلق ضعيفًا، وعزائم الناس متفاوتة وأحوالهم متغيرة؛ فما يجده بعضُ الناس سهلًا قد يصعُب على الآخرين، وقد يصعُب على نفس الشخص في وقتٍ آخر؛ فعند هذا يلجأ إلى الرُّخص الشرعية للمحافظة على ديمومة العبادة دون حرج ومشقة، والمحافظة على مقاصد الشريعة الدنيوية والأخروية، يقول ابنُ قيم الجوزية: «من فقه المفتي ونصحه إذا سأله المستفتي عن شيء فمنعه منه وكانت حاجته تدعوه إليه أن يدلَّه على ما هو عِوَضٌ له منه؛ فيسد عليه باب المحظور، ويفتح له باب المباح، وهذا لا يتأتَّى إلا مِن عالمٍ ناصحٍ مشفِقٍ قد تاجر الله وعامله بعلمه؛ فمثاله في العلماء مثال الطبيب العالم الناصح في الأطباء يحمي العليل عما يضره، ويصف له ما ينفعه؛ فهذا شأن أطباء الأديان والأبدان»([142]).

ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه ما حرَّم عليهم شيئًا إلا وأبدلهم عِوضًا عنه وخلفًا له في كل أمر من أمور حياتهم، والطريق غير المشروع قد يكون ظاهره تحصيل مصالح للعبد؛ وإن كان يعود بالفساد عليه وعلى الأمة من جهة أخرى، ولكن تحصيل هذه المصالح قطعًا يأتي بطريقٍ آخر وضعته الشريعةُ خاليًا من هذه المفاسد كبديلٍ لهذا الطريق غير المشروع.

وشأن هذه البدائل الشرعية أن تحصِّل للعباد مصالحهم في إطار الحفاظ على مقاصد الشريعة بعيدًا عن الطرح غير الشرعي؛ وفي هذه البدائل تحقيق لمقصد رفع الحرج والمشقة عن الناس وتيسير أمورهم في كافة مناحي الحياة، وسد باب المحظورات ومواكبة المستجدات والنوازل العصرية وتحقيق مبدأ اليسر تحقيقًا علميَّا تطبيقيًّا بإيجاد الحلول الشرعية التي تتناسب مع روح العصر من غير مساسٍ بجهور الشريعة؛ فمن هنا تأتي ضرورة البدائل الشرعية في سائر أبواب العبادات والعادات، وكذلك في أبواب المعاملات، والمالية منها بخاصة؛ فقد حثَّ الإسلامُ على توجيه المال نحو الاستثمار وتنمية الثروة، وكان ترغيبه في ذلك إما مباشرة من خلال الآيات والأحاديث التي تدعو للكسب والعمل في حفظ المال وتكثيره، أو من خلال الدعوة للإنفاق والبذل فيما يتعدى نفعه للآخرين؛ فالإنفاق لا يتاح إلا من خلال اقتناء المال وتنميته، ومن ثم الإنفاق على النفس والعيال أو على المحتاجين في المجتمع، وقد قرن اللهُ عز وجل الضرب في الأرض بهدف الكسب والتجارة والاستثمار بالجهاد في سبيل الله كما في آخر “سورة المزمل”، وهناك الكثير من الأدلة التي توجِّه وتشجع الاستثمار في النظام الاقتصادي الإسلامي، وقد شرع الإسلامُ عقودًا تفتح آفاقًا لتمويل الاستثمار أمام المسلم وتغنيه عما هو حرام ومضر له ولمجتمعه، وجعل لها ضوابط تقيها الانحراف، ومن أمثلة هذه العقود المضاربة والمشاركة وبيع المرابحة وبيع السلم والاستصناع وغيرها، ولذلك نظَّم الإسلامُ اكتسابَ المال وكيفية استثماره ودورانه في المجتمع، ومن ثم اشترط على المموِّلين والمستثمرين أن يلتزموا في تنمية أموالهم وسائل لا ينشأ عنها الأذى للآخرين، ويكون من جرَّائها تعويق أو تعطيل جريان الأرزاق بين العباد، وكتب عليهم الطهارة في النية والعمل، والنظافة في الوسيلة والغاية، وفرض عليهم قيودًا في تنمية المال لا تجعلهم يسلكون إليها سبلًا تؤذي ضمير الفرد وخلقه أو تؤذي حياة الجماعة وكيانها؛ فيحظر على كل فرد أو مؤسسة أن يمول مشروعًا استثماريًّا تتعارض أهدافه مع أهداف الإسلام، ومثله الأخلاقية وقيمه الروحية كالربا والغش والاحتكار وأكل أموال الناس بالباطل وكل عقد فيه غرر، ولم يكتفِ الإسلامُ بأن يكون المشروع الاستثماري الممول مقبولًا إسلاميًّا، وأن تكون مدخلاته ومخرجاته من سلع وخدمات حلالًا، وأن تكون معاملاته المالية والتجارية حلالًا؛ بل يجب أيضًا أن يكون هذا المشروع الذي يجري تمويله ملتزمًا بسُلَّم الأولويات السلعية والخدمية الإسلامية([143]).

ومن المعروف أن الشريعة الإسلامية فصَّلت فيما لم يتغيَّر من الأحكام بتغيُّر الزمان والمكان والأحوال؛ مثل آيات المواريث وآية مصارف الزكاة وغير ذلك، وأنها أجملت فيما يتغيَّر بتغيُّر الظروف والأحوال؛ فوضعت القواعدَ العامَّة، وتركت للمسلمين استنباط القواعد الفرعية والإجراءات العملية لتطبيق القواعد العامة بمراعاة الظروف البيئية، ولقد قام الفقهاء المسلمون قديمًا وحديثًا بمجهودات طيبة نحو ذلك، ونتج عن هذا الاجتهاد آراء فقهية متعددة تُمثِّل جميعها بدائل صالحة للتطبيق؛ لأنها تدور في تلك القواعد العامة ومقصود الشرعية من تنظيم المعاملات، وهو تحديد الحقوق في توازن وعدالة وتحقيق المصالح من ورائها.

 

 

المطلب الثالث: دور الاختيار الفقهي في المعاملات المالية في دعم الاقتصاد الوطني.

الاقتصادات الوطنية التي تعتمد بناء الإنسان عبر تنمية المجتمع هدفًا لها ليست اقتصاديات مغلقة؛ بل هي منفتحة على العالم الخارجي، وطالما كان المسلمون يتعاملون مع سائر الناس شرقًا وغربًا معاملاتٍ ماليةٍ واقتصاديةٍ عبر تاريخهم الطويل، ولا شك أن هذا نابعٌ من سعة الفقه الإسلامي وآراء الفقهاء التي أثرت وتأثرت بهذا التعامل؛ ومن هنا كان للاختيار الفقهي بين الآراء المختلفة دورًا كبيرًا في دعم الاقتصاديات الوطنية عبر تخيُّر الأحكام الضابطة لهذه المعاملات وفقًا لقواعد المصلحة والعرف وتحقيق الاكتفاء الذاتي؛ لتجعلها أكثر انفتاحًا في سياق التزام المبادئ والمقاصد العليا للشريعة الإسلامية، ومن هنا تعددت مصادر تحديد الأحكام المنظمة للمعاملات المالية لتُنشئ مجالًا رحبًا لاختيارات المعنيين بها طبقًا لاختلاف الزمان والمكان، وفيما يلي أهم هذه المصادر التي تمثل هذا المجال الرحب للاختيار الفقهي:

الفرع الأول: المصادر النقلية.

تتحدد المصادرُ النقليةُ لأحكام المعاملات المالية في عدة أمور، وهي([144]):

أولًا: أحكام الشريعة الإسلامية والقيم الإسلامية ممثلةً فيما ورد بصفة أساسية في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وتفصيلًا في كتب الفقه القديمة على وجه الخصوص، وفي الاجتهادات الفقهية المعاصرة، ثم كتب التفسير وشروح الحديث والنظم الإسلامية، وهذا المصدر يُمثل المصدر الرئيسي لتحديد أحكام المعاملات المالية سواء في محاولة استنباط الأفكار اللازمة لبناء هذه الأحكام، أو الحكم على مدى صلاحية ما يتم الاستفادةُ به من المصادر الأخرى.

ثانيًا: الأعراف المالية المطبَّقة بين الناس، وهي مصدر عام لتحديد الأحكام الضابطة للمعاملات المالية؛ لأنه ثبت صلاحيتها في التطبيق.

ثالثًا: الفكر الاقتصادي والمالي السائد عالميًّا؛ سواء في صورة البحوث والكتابات النظرية، أو في صورة المبادئ الاقتصادية التي تعتمدها المنظمات الدولية أو الإقليمية أو المحلية، وبالبحث في الأفكار الصادرة عن هذا المصدر نجد أن بعضها لا خلاف عليه من الناحية الشرعية، وبعضها يخالف الأحكام الشرعية، وبعضها لا يناسب من الأصل المؤسسات المالية في البلدان الإسلامية؛ وبالقطع فإن ما يخالف أو لا يناسب لا مجال للأخذ به، أما الأفكار التي لا تخالف الشريعة وتناسب الاقتصادات الوطنية الإسلامية فإنه لا مانع شرعًا من الاستفادة بها؛ وذلك استنادًا إلى موقف الإسلام من الفكر والتطبيق غير الإسلامي بوجه عام، والذي يمكن تلخيصه في الآتي:

1- لم يأتِ القرآنُ الكريمُ ليهدر كل ما كان عليه الناس خاصةً فيما يتصل بالأحكام العملية، ومنها المعاملات المالية من بيع ومضاربة وشركة، بل هذب فيها وعدَّل وألغى وبدَّل([145]).

2- أن الرسول صلى الله عليه وسلم بُعث وهناك معاملات كانت تتم قبل الإسلام فأقرها الرسول صلى الله عليه وسلم مثل المضاربة والتعامل بدراهم الفرس ودنانير الروم؛ ولذا نجد الفقهاء يذكرون في صور بيان مشروعية بعض المعاملات أن الرسول صلى الله عليه وسلم بُعث والناس يتعاملون بها فلم ينكرها عليهم، أو أقرهم عليها([146]).

3- لقد انتقلت معارف وعلوم وأفكار في عهد الخلافة الراشدة وما بعدها إلى المسلمين من بلادٍ أخرى، وتم الأخذ بها مثل تدوين الدواوين وما يحدث فيها من أمور محاسبية، وبالنظر فيما أورده الخوارزمي في كتابه “مفاتيح العلوم” نجد أن كثيرًا من المصطلحات والمفاهيم المحاسبية المستخدمة في الدواوين تُذكر بألفاظها من اللغات التي انتقلت منها، ويذكر الخوارزمي أصلها([147]).

وبناء على ذلك فإنه لا يوجد ما يمنع شرعًا من الاستفادة من الفكر الاقتصادي السائد في تحديد الأحكام الضابطة للمعاملات المالية؛ وذلك في الأمور التي لا تخالف الشريعة الإسلامية، وتُلائم طبيعة المؤسسات الاقتصادية الوطنية، وتؤدي إلى تحقيق المصلحة، وليس من قبيل المصادرة القول بأنه بالبحث في أحكام الشريعة سوف نجد فيها ما يؤيد كثيرًا من هذه الأفكار؛ كل ما هنالك أنه نظرًا إلى أن ما يتصل بالمبادئ الاقتصادية لم يرد في كتب الفقه بصورة مصنَّفة ومجمَّعة، وإنما هي مبثوثة في أبواب المعاملات.

الفرع الثاني: المصادر العقلية.

يُعد الاجتهاد فيما لا نص فيه أهم المصادر العقلية التي يتم الاختيار الفقهي في المعاملات المالية بناء عليها؛ فإنه يوجد الكثير من مسائل المعاملات المالية مما لا تدل عليها نصوص لا قطعية ولا ظنية، ولم ينعقد إجماعٌ عليها من المجتهدين في عصرٍ من العصور؛ ومثل هذه الأحكام مثل أكثر الأحكام الفقهية التي زخرت بها كتبُ فقه الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم من المذاهب؛ فهذه الأحكام تحتاج إلى استنباطات لمجموعة المجتهدين حسب ما وصلت إليه عقولُهم، وما أحاط بهم من الظروف والأحوال والملابسات([148])؛ فمن هنا كان هذا الاجتهاد أحد المصادر العقلية للمعايير الشرعية.

الفرع الثالث: المصادر التجريبية.

من مصادر الاختيار الفقهي في المعاملات المالية أيضًا مصادر تجريبية تتعلق بما مارسه الأفراد ومارسته المؤسساتُ الماليةُ والاقتصادية في مختلف البلدان من تطبيقات للأحكام الشرعية والإجراءات المتعلقة بها؛ وترجع أهمية التمكُّن من أساليب العمل في المؤسسات المالية والاقتصادية الإسلامية، ومعرفة أصول صياغة العقود وتنفيذها إلى أن المعرفة بذلك تساعد حين تحديد الأحكام الضابطة للمعاملات المالية من تصور الحال حين تطبيق هذا الأحكام؛ فتأتي أحكامًا مناسبة ومقبولة وصالحة للتنفيذ.

 

 

([1]) مقاييس اللغة، ابن فارس، تحقيق: عبدالسلام محمد هارون، دار الفكر، 1399هـ، 1979م، (3/ 321)، مادة (صوغ).

([2]) ينظر: العين، الخليل بن أحمد، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، ب.ت، (4/432)، مادة (صيغ)، وجمهرة اللغة، ابن دريد، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الأولى، 1987م، (2/890)، مادة (صغو)، وأساس البلاغة، الزمخشري، تحقيق: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1419هـ، 1998م، (1/ 563)، مادة (صوغ)، وتهذيب اللغة، الأزهري، تحقيق: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2001م، (8/ 148)، مادة (صوغ)، ومختار الصحاح، أبو بكر الرازي، تحقيق: يوسف الشيخ محمد، المكتبة العصرية، بيروت، الدار النموذجية، صيدا، الطبعة الخامسة، 1420هـ، 1999م، (ص 180)، مادة (صوغ).

([3]) الصحاح: تاج اللغة وصحاح العربية، الجوهري، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة، 1407هـ، 1987م، (4/ 1324)، مادة (صوغ).

([4]) جمهرة اللغة لابن دريد (2/ 890)، مادة (صغو).

([5]) ينظر: الصحاح للجوهري (2/ 620)، مادة (حبر).

([6]) وهذا هو ما أشار إليه أبو البقاء الكفوي في كتابه الكليات، تحقيق: عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت، ب.ت، (ص 560)، عند تعريفه للصيغة؛ حيث قال: «الصيغة: هي الهيئة العارضة للفظ باعتبار الحركات والسكنات وتقديم بعض الحروف على بعض». وينظر: المدخل للفقه الإسلامي.. تاريخه ومصادره ونظرياته العامة، محمد سلام مدكور، دار الكتاب الحديث، الطبعة الثانية، 1996م، (ص 543)، والفقه الإسلامي وأدلته، وهبة الزحيلي، دار الفكر، سوريا، الطبعة الرابعة المنقحة المعدَّلة، (5/ 3310).

([7]) يراجع: متطلبات الصياغة التشريعية الجيدة وأثرها في الإصلاح القانوني، ليث كمال نصراوين، بحث منشور في ملحق المؤتمر السنوي الرابع “القانون… أداة للإصلاح والتطوير”، مجلة كلية القانون الكويتية العالمية، السنة الخامسة، العدد (2)، مايو 2017م (1/ ص 385، 386).

([8]) ينظر: أحكام المعاملات المالية في المذهب الحنبلي، محمد زكي عبدالبر، دار الثقافة، قطر، 1406هـ، 1986م، (ص 8).

([9]) المدخل الفقهي العام.. إخراج جديد بتطوير في الترتيب والتبويب وزيادات، مصطفى الزرقا، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1418هـ، 1998م، (1/ 16).

([10]) ينظر: علم أصول الفقه وخلاصة تاريخ التشريع، عبدالوهاب خلاف، مطبعة المدني، مصر، ب.ت، (ص 260)، والصياغة الفقهية في العصر الحديث.. دراسة تأصيلية، هيثم بن فهد بن عبدالرحمن الرومي، دار التدمرية، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1433هـ، 2012م، (ص 41) وما بعدها.

([11]) ينظر: نظرات في مشكلات التصنيف، عصام أنس الزفتاوي، بحث منشور في مجلة المسلم المعاصر، العدد (104)، 2002م، (ص 153).

([12]) ينظر: رد المحتار على الدر المختار للحصكفي، ابن عابدين، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1412هـ، 1992م، (1/ 28).

([13]) ينظر: تجديد الفقه الإسلامي، وهبة الزحيلي، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى، 1420هـ، 2000م، (ص 15)، والصياغة الفقهية لهيثم الرومي (ص 161).

([14]) علم أصول الفقه وخلاصة التشريع الإسلامي لعبدالوهاب خلاف (ص 264).

([15]) ينظر: تجديد الفقه الإسلامي لوهبة الزحيلي (ص 55)، والصياغة الفقهية لهيثم الرومي (ص 165).

([16]) ينظر: الصياغة الفقهية لهيثم الرومي (ص 166).

([17]) ينظر: تجديد الفقه الإسلامي لوهبة الزحيلي (ص 45)، والصياغة الفقهية لهيثم الرومي (ص 173).

([18]) ومن الكتب التي ظهرت فيها هذه السمة: الفقه الإسلامي وأدلته لوهبة الزحيلي. ينظر: تجديد الفقه الإسلامي لوهبة الزحيلي (ص 45، 67، 69)، والصياغة الفقهية لهيثم الرومي (ص 184).

([19]) ظهر مع مطلع العصر الحديث أجيالٌ من الفقهاء ممن جمعوا بين العلوم الشرعية والقانونية، وقادوا حركة النهضة الفقهية وعملوا على ربطها بالقانون واستقاء مواده من المذاهب الفقهية، وتناولوا مجلة الأحكام العدلية وغيرها بالشرح، وقدموا محاولات ودراسات جيدة في تقنين الفقه الإسلامي؛ من هؤلاء محمد زيد الإبياني، ومحمد سلامة، وأحمد أبو الفتح، وأحمد إبراهيم بك، ومن بعدهم عبدالوهاب خلاف، وفرج السنهوري، وسيد عبدالله حسين، وعلي الخفيف، ومحمد أبو زهرة، ومحمد يوسف موسى، ومحمد مصطفى شلبي، ومحمد زكي عبدالبر، ومحمد سلام مدكور، وصوفي أبو طالب، وعبدالحليم الجندي، ومن تلاهم من الأساتذة؛ بالإضافة إلى ما قام به مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف في محاولة جادة منه لتقنين الفقه الإسلامي، والتي أصدر فيها أجزاء عديدة في تقنين الفقه الإسلامي على المذاهب الأربعة المعتمدة، كل على حدة. ينظر: المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 253) وما بعدها، والتشريع الإسلامي.. جذوره الحضارية وأدواره التاريخية، عبدالجواد خلف، دار البيان، القاهرة، 2003م، (ص 351- 352)، وتقنين الفقه الإسلامي بين المؤيدين والمعارضين.. دراسة تأصيلية، هشام العربي، دار اليسر، الطبعة الأولى، 1439هـ، 2018م، (ص 11).

([20]) ينظر: المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 313).

([21]) ينظر: فن الصياغة القانونية وتأثيره على سير العدالة، محمد الغالي، ورقة بحثية مقدمة لمنتدى البحث القانوني، مراكش، المغرب، بتاريخ 16 يوليو 2010م.

([22]) من أمثلة المؤلفات التي ظهرت فيها هذه السمة بوضوح: الفقه على المذاهب الأربعة لعبدالرحمن الجزيري، والموسوعة الفقهية الكويتية، والفقه الإسلامي وأدلته لوهبة الزحيلي. يراجع: تجديد الفقه الإسلامي لوهبة الزحيلي (ص 59، 67، 70).

([23]) ينظر: تجديد الفقه الإسلامي لوهبة الزحيلي (ص 51).

([24]) وقد تحققت بعض هذه السمات أو جميعها في طائفة كبيرة من الكتب؛ منها: الأهلية وعوارضها لأحمد إبراهيم بك، وأهلية العقوبة لحسين توفيق رضا، وأحكام الجنين لمحمد سلام مدكور، والولاية على النفس لمحمد أبو زهرة، وأحكام الأسرة لمحمد مصطفى شلبي، ومصادر الحق لعبدالرزاق السنهوري، ومبدأ الرضا في العقود للقره داغي، والخيار وأثره في العقود لعبدالستار أبو غدة، ونظرية تحمل التبعة لمحمد زكي عبدالبر، والمعاملات المالية المعاصرة للسالوس، وعقد التأمين لعيسى عبده، ومفاهيم أساسية في البنوك لعبدالحميد البعلي، وغير ذلك كثير. يراجع: تجديد الفقه الإسلامي لجمال الدين عطية (ص 97) وما بعدها.

([25]) ينظر: المعايير الشرعية.. عرض ونقد، عبدالله بن صالح السيف، بحث بمجلة الدراسات الإسلامية، كلية التربية، جامعة الملك سعود، السعودية، المجلد السابع والعشرين، العدد الثاني، 2015م، (ص 235)، وتقنين الفقه الإسلامي.. المبدأ والمنهج والتطبيق لمحمد زكي عبدالبر (ص 89).

([26]) ينظر: معايير التمويل الشرعي للأيوفي لأسامة فتحي (ص 45).

([27]) ينظر: متطلبات الصياغة التشريعية الجيدة لليث نصراوين (ص 392).

([28]) ينظر: أصول سن وصياغة وتفسير التشريعات.. دراسة فقهية عملية مقارنة، عليوة مصطفى فتح الباب، مكتبة كوميت، الكويت، الطبعة الأولى، 2007م، (1/ 937)، وأصول القانون، حسن كيرة، دار المعارف، القاهرة، 1957م، (ص 226)، وتقنين الفقه الإسلامي.. المبدأ والمنهج والتطبيق، محمد زكي عبدالبر، إدارة إحياء التراث الإسلامي، قطر، الطبعة الثانية، 1986م، (ص 90)، وفن الصياغة القانونية تشريعًا، فقهًا، قضاءً، محاماة، عبدالقادر الشيخلي، مكتبة دار الثقافة، عمان، الطبعة الأولى، 2014هـ، (ص 23)، ومتطلبات الصياغة التشريعية الجيدة لليث نصراوين (ص 392).

([29]) ينظر: متطلبات الصياغة التشريعية الجيدة لليث نصراوين (ص 415)، ومعايير التمويل الشرعية للأيوفي لأسامة يونس (ص 198)، وتقنين الفقه الإسلامي.. المبدأ والمنهج والتطبيق لمحمد زكي عبدالبر (ص 95).

([30]) ينظر: المجموعة الفقهية المصرفية لعبدالستار أبو غدة (1/ 268)، وأصول القانون لعبدالرزاق السنهوري وأحمد أبو ستيت (ص 206)، وفن الصياغة القانونية لعبدالقادر الشيخلي (ص 112)، ومتطلبات الصياغة التشريعية الجيدة لليث نصراوين (ص 417).

([31]) ينظر: فن الصياغة القانونية لعبدالقادر الشيخلي (ص 104)، ومتطلبات الصياغة التشريعية الجيدة لليث نصراوين (ص 419)، وتقنين الفقه الإسلامي.. المبدأ والمنهج والتطبيق لمحمد زكي عبدالبر (ص 89).

([32]) ينظر: تقنين الفقه الإسلامي.. المبدأ والمنهج والتطبيق لمحمد زكي عبدالبر (ص 90).

([33]) ينظر: أصول الصياغة التشريعية، محمود محمد علي صبرة، دار الكتب القانونية، مصر، 2004م، (ص 241)، ودليل الصياغة التشريعية في المملكة الأردنية الهاشمية، الشبكة القانونية للنساء العربيات، مؤسسة المستقبل، 2010م، (ص 96) وما بعدها، ومتطلبات الصياغة التشريعية الجيدة لليث نصراوين (ص 395).

([34]) ينظر: لسان العرب لابن منظور (13/ 348، 350)، والمعجم الوسيط (2/ 763) مادة (قنن).

([35]) التعريفات للجرجاني (ص 171).

([36]) ينظر: أصول القانون أو المدخل لدراسة القانون، عبدالرزاق السنهوري باشا وأحمد حشمت أبو ستيت، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1950م، ص(191).

([37]) ينظر: تقنين الفقه الإسلامي.. المبدأ والمنهج والتطبيق، محمد زكي عبدالبر، دار إحياء التراث الإسلامي، قطر، الطبعة الثانية، 1407هـ، 1986م، ص(21).

([38]) ينظر: المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 313).

([39]) ينظر: تقنين الفقه الإسلامي بين المؤيدين والمعارضين لهشام العربي (ص 21).

([40]) ينظر: المدخل الفقهي العام للزرقا (1/ 313).

([41]) ينظر: الأحكام السلطانية، الماوردي، دار الكتب العلمية، ب.ت، (ص 38، 40، 271)، والأحكام السلطانية، القاضي أبو يعلى، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1421هـ، 2000م، (ص 38، 256)، وتاريخ ابن خلدون، بضبط ومراجعة خليل شحادة وسهيل زكار، دار الفكر، بيروت، 1421هـ، 2001م، (1/ 238، 574، 575) ومواضع أخرى كثيرة.

([42]) الأحكام السلطانية للماوردي (ص 38).

([43]) الأحكام السلطانية للماوردي (ص 40).

([44]) ينظر: تقنين الفقه الإسلامي بين المؤيدين والمعارضين لهشام العربي (ص 22).

([45]) سورة النساء، الآية رقم (59).

([46]) سورة النساء، الآية رقم (83).

([47]) راجع: تفسير الطبري «جامع البيان عن تأويل آي القرآن» (8/ 495- 504) بتحقيق محمود محمد شاكر وأحمد محمد شاكر، ط. مكتبة ابن تيمية بالقاهرة، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (6/ 428- 432، 479) بتحقيق الدكتور/ عبدالله بن عبدالمحسن التركي، ط. مؤسسة الرسالة- بيروت، الطبعة الأولى 1427هـ/ 2006م، وأحكام القرآن لابن العربي (1/ 573- 574) ط. دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى، بدون تاريخ، وأحكام القرآن للجصاص (2/ 298- 299، 304) ط. دار الفكر- بيروت سنة 1414هـ/ 1993م، والسياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية لتقي الدين بن تيمية (ص 214) ط. مكتبة ابن تيمية بالقاهرة، بدون تاريخ.

([48]) راجع: مدى سلطة ولي الأمر في تقييد المباح من حيث الإلزام به أو حظره للدكتور/ جابر عبدالهادي الشافعي (ص 66- 78) ط. دار الجامعة الجديدة بالإسكندرية سنة 2015م، وأيضًا: نظرية الإباحة عند الأصوليين والفقهاء (ص 322)، وسلطة ولي الأمر في تقييد المباح للدكتور/ البشير المكي عبداللاوي (ص 251- 252) ط. دار مكتبة المعارف- بيروت، الطبعة الأولى سنة 1432هـ/ 2011م.

([49]) راجع: مفهوم ولي الأمر وتكييف العلاقة بينه وبين الشعوب للدكتور/ أحمد بن صالح الزهراني، بحث بمؤتمر فقه السياسة الشرعية ومستجداتها المعاصرة، المنعقد بالكويت سنة 1434هـ/ 2013م (ص 716).

([50]) تفسير الطبري (8/ 502).

([51]) شرح صحيح مسلم (12/ 223) ط. المطبعة المصرية بالأزهر، الطبعة الأولى 1349هـ/ 1930م.

([52]) انظر: مفهوم ولي الأمر وتكييف العلاقة بينه وبين الشعوب للدكتور/ أحمد بن صالح الزهراني، بحث بمؤتمر فقه السياسة الشرعية ومستجداتها المعاصرة (ص 716).

([53]) انظر: السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية (ص 217).

([54]) رواه أبو داود في الجهاد، باب في القوم يسافرون يؤمرون أحدهم، رقم (2608)، والبيهقي في السنن الكبرى في جماع أبواب آداب السفر، باب القوم يؤمرون أحدهم إذا سافروا، رقم (10351).

([55]) رواه أحمد في مسنده (2/ 176).

([56]) ذكره ابن تيمية في السياسة الشرعية (ص 87)، وفي منهاج السنة النبوية (1/ 548) بتحقيق محمد رشاد سالم، ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، الطبعة الأولى 1406هـ/ 1986م. ورواه الطبراني في المعجم الكبير (10/ 132) مرفوعًا من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «‌لَا ‌بُدَّ ‌لِلنَّاسِ ‌مِنْ ‌إِمَارَةٍ بَرَّةٍ أَوْ فَاجِرَةٍ، فَأَمَّا الْبَرَّةُ فَتَعْدِلُ فِي الْقَسْمِ، وَيُقْسَمُ بَيْنَكُمْ فَيْؤُكُمْ بِالسَّوِيَّةِ، وَأَمَّا الْفَاجِرَةُ فَيُبْتَلَى فِيهَا الْمُؤْمِنُ، وَالْإِمَارَةُ الْفَاجِرَةُ خَيْرٌ مِنَ الْهَرْجِ» ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ وَالْكَذِبُ». قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 222): رواه الطبراني، وفيه وهب الله بن رزق ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

([57]) انظر: نظرية الإباحة عند الأصوليين والفقهاء للدكتور/ محمد سلام مدكور (ص 325- 326).

([58]) سورة النساء، الآية رقم (59).

([59]) رواه البخاري في الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، رقم (7144)، ومسلم في الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، رقم (1839).

([60]) رواه البخاري في الأحكام، باب قول الله تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾، رقم (7137)، ومسلم في الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، رقم (1835).

([61]) رواه البخاري في الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، رقم (7142).

([62]) نظرية الإباحة عند الأصوليين والفقهاء للدكتور/ محمد سلام مدكور (ص 328) ط. دار النهضة العربية بالقاهرة، الطبعة الثانية سنة 1984م.

([63]) انظر: الإسلام وتقنين الأحكام (ص 298).

([64]) هذا نص حديث رواه الطبراني في المعجم الكبير (18/ 170) بتحقيق حمدي عبدالمجيد السلفي، ط. مكتبة العلوم والحكم بالموصل، الطبعة الثانية سنة 1404هـ/ 1983م، من حديث عمران بن حصين، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 737) ط. دار الفكر- بيروت سنة 1414هـ/ 1994م من حديث الحسن، وبوب به الترمذي أحد أبوابه في كتاب الجهاد (4/ 209)، وقال: وفي الباب عن علي وعمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري.

([65]) ينظر: الحكم القضائي وأثره في رفع الخلاف الفقهي للدكتور/ شوقي علام (ص 21- 22) ط. مكتبة الوفاء القانونية بالإسكندرية، الطبعة الأولى 2014م، وأيضًا: نحو فهم منهجي لإدارة الخلاف الفقهي له كذلك (ص 131- 132) ط. دار الإفتاء المصرية، بدون تاريخ.

([66]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 156) ط. دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة، بدون تاريخ. وقريب منه في حاشية العدوي على شرح الخرشي (7/ 166) ط. دار صادر- بيروت، بدون تاريخ.

([67]) راجع: تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام لابن فرحون (1/ 24- 25، 64- 66) ط. مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة، الطبعة الأولى سنة 1406هـ/ 1986م، والأحكام السلطانية للماوردي (ص 86- 88)، والمغني لابن قدامة (14/ 91) بتحقيق د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي، ود. عبدالفتاح محمد الحلو، ط. دار عالم الكتب بالرياض، الطبعة الرابعة 1419ﻫ/ 1999م، وكشاف القناع للبهوتي (6/ 292- 293) بتعليق الشيخ هلال مصيلحي مصطفى هلال، ط. دار الفكر- بيروت 1402ﻫ/ 1982م.

([68]) سورة ص، الآية رقم (26).

([69]) راجع: تقنين الفقه الإسلامي: المبدأ والمنهج والتطبيق (ص 36- 37).

([70]) راجع: المراجع المذكورة في قول الجمهور.

([71]) راجع: فتح القدير للكمال بن الهمام (7/ 306) ط. دار الفكر- بيروت، بدون تاريخ، وحاشية ابن عابدين على الدر المختار (3/ 692) ط. دار الكتب العلمية- بيروت 1412ﻫ/ 1992م، ومجلة الأحكام العدلية مادة رقم (1801) بتحقيق نجيب هواويني، ط. نور محمد، كارخانه تجارت كتب، آرام باغ، كراتشي، بدون تاريخ.

([72]) الدر المختار شرح تنوير الأبصار (5/ 408) ط. دار الكتب العلمية- بيروت 1412ﻫ/ 1992م.

([73]) حاشية ابن عابدين على الدر المختار (5/ 408).

([74]) الفروق (2/ 103) ط. عالم الكتب- بيروت، بدون تاريخ.

([75]) حاشية ابن عابدين على الدر المختار (3/ 347).

([76]) حاشية تهذيب الفروق والقواعد السنية لمحمد علي بن حسين المكي المالكي، مع الفروق للقرافي (4/ 91).

([77]) مجلة الأحكام العدلية مادة رقم (1801).

([78]) تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام (1/ 65- 66).

([79]) انظر: الحكم القضائي وأثره في رفع الخلاف الفقهي للدكتور/ شوقي علام (ص 171).

([80]) راجع: تقنين الفقه الإسلامي: المبدأ والمنهج والتطبيق (ص 49، 63- 71).

([81]) راجع: تقنين الفقه الإسلامي: المبدأ والمنهج والتطبيق (ص 50- 52).

([82]) رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب آداب القاضي، باب موضع المشاورة، رقم (20313).

([83]) راجع: نظرية الإباحة عند الأصوليين والفقهاء (ص 339- 342)، والمدخل للفقه الإسلامي (ص 383)، والإسلام وتقنين الأحكام (ص 21- 34) وتقديم الشيخ أبي زهرة له، والمدخل الفقهي العام (1/ 319- 320)، وتقنين الفقه الإسلامي المبدأ والمنهج والتطبيق (ص 62، وما بعدها)، وتطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد العربية (ص 242- 244)، وضرورة تقنين أحكام الفقه الإسلامي (ص 43- 44)، وسلطة ولي الأمر في تقييد سلطة القاضي للدكتور/ محمد بن عبدالله المرزوقي (ص 360)، والحكم القضائي وأثره في رفع الخلاف الفقهي (ص 171- 174)، وتقنين الأحكام الشرعية بين المانعين والمجيزين للدكتور/ عبدالرحمن بن أحمد الجرعي، مقال منشور على شبكة الإنترنت.

([84]) المدخل الفقهي العام (1/ 215- 216).

([85]) الأحكام السلطانية (ص 86).

([86]) سورة ص، الآية رقم (26).

([87]) راجع: تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد العربية (ص 244).

([88]) سورة المائدة، الآية رقم (3).

([89]) رواه الحاكم في المستدرك (1/ 172) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: ‌كِتَابَ ‌اللَّهِ ‌وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»، ورواه أيضًا البيهقي في السنن الكبرى في كتاب آداب القاضي، باب ما يقضي به القاضي ويفتي به المفتي، فإنه غير جائز له أن يقلد أحدًا من أهل دهره، ولا أن يحكم أو يفتي بالاستحسان (10/ 195).

([90]) تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام (2/ 137)، ونقلها عنه الطرابلسي في معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام (ص 169) ط. دار الفكر، بدون تاريخ.

([91]) تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام (2/ 153- 155)، ومعين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام للطرابلسي (ص 176- 178).

([92]) راجع: لسان العرب (3/ 372- 374) مادة (قيد)، والمعجم الوسيط (ص 769) مادة (قيد).

([93]) انظر: سلطة ولي الأمر في تقييد المباح «دراسة نظرية وتطبيقية» للباحثة/ غزيل العتيبي (ص 111) رسالة ماجستير بجامعة الملك سعود بالرياض 1427ه.

([94]) راجع: لسان العرب (2/ 416) مادة (بوح)، والمعجم الوسيط (ص 75) مادة (باح).

([95]) تقييد المباح، رسالة دكتوراه بكلية الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية ببغداد سنة 2006م للدكتور/ مصطفى السامرائي (ص 16).

([96]) سلطة ولي الأمر في تقييد المباح للدكتور/ البشير المكي عبداللاوي (ص 115- 116). وراجع أيضًا: مدى سلطة ولي الأمر في تقييد المباح من حيث الإلزام به أو حظره (ص 91- 92).

([97]) قواعد تقييد المباح للدكتور/ محمود سعد مهدي، بحث بمجلة دار الإفتاء المصرية، العدد الثامن عشر (رمضان 1435هـ/ يوليو 2014م) (ص 125).

([98]) وإن كان الألوسي في تفسيره روح المعاني اعتبرهما ثلاثة مذاهب، لكنها في واقع الأمر ترجع إلى قولين فقط. راجع: روح المعاني (5/ 66). وراجع أيضًا: سلطة ولي الأمر في تقييد المباح للدكتور/ البشير المكي عبداللاوي (ص 303- 304)، ومدى سلطة ولي الأمر في تقييد المباح من حيث الإلزام به أو حظره (ص 93- 107).

([99]) راجع: روح المعاني (5/ 66)، وأيضًا: المستصفى (ص 60).

([100]) ينظر: روح المعاني (5/ 66). ويراجع: حاشية ابن عابدين (5/ 167- 168)، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام (ص 38).

([101]) سورة النساء، الآية رقم (59).

([102]) انظر: نظرية الإباحة عند الأصوليين والفقهاء (ص 329)، وراجع: مدى سلطة ولي الأمر في تقييد المباح من حيث الإلزام به أو حظره (ص 97- 105).

([103]) انظر: الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية للسيوطي (ص 121) ط. دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ/ 1983م، والأشباه والنظائر لابن نجيم مع شرحه غمز عيون البصائر للحموي (1/ 369) ط. دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ/ 1985م، والمنثور في القواعد الفقهية للزركشي (1/ 309) بتحقيق الدكتور/ تيسير فائق أحمد محمود، ط. وزارة الأوقاف الكويتية، الطبعة الثانية 1405هـ/ 1985م، وشرح القواعد الفقهية للزرقا (ص 309) ط. دار القلم بدمشق، الطبعة السادسة 1422هـ/ 2001م.

([104]) انظر: سلطة ولي الأمر في تقييد المباح «دراسة نظرية وتطبيقية» للباحثة/ غزيل العتيبي (ص 146).

([105]) مدى سلطة ولي الأمر في تقييد المباح من حيث الإلزام به أو حظره (ص 98- 99).

([106]) سورة الأعراف، الآية رقم (157).

([107]) سورة الأعراف، الآية رقم (96).

([108]) ينظر: المسئولية الاجتماعية للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية لكوثر الأبجي (ص 33).

([109]) ينظر: الإفتاء حقيقته وآدابه ومراحله (ص 41- 42)، وراجع: أدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح (ص 164- 167) بتحقيق الدكتور/ موفق عبدالقادر، ط. مكتبة العلوم والحكم، وعالم الكتب، الطبعة الأولى 1407هـ/ 1986م، وصفة الفتوى والمفتي والمستفتي لابن حمدان (ص 80- 82)، وذخر المحتي من آداب المفتي لصديق حسن خان (ص 158- 159) بتحقيق أبي عبدالرحمن الباتني، وتقديم عبدالقادر الأرناؤوط، ط. دار ابن حزم- بيروت، الطبعة الأولى 1421هـ/ 2000م.

([110]) رواه أحمد في مسنده (4/ 228)، والدارمي في سننه كتاب البيوع، باب دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، رقم (2533) من حديث وابصة بن معبد.

([111]) قواطع الأدلة لابن السمعاني (2/ 358).

([112]) أدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح (ص 166).

([113]) سورة البقرة، الآية رقم (159).

([114]) سورة آل عمران، الآية رقم (187).

([115]) ينظر: المجموعة الفقهية المصرفية لعبدالستار أبو غدة (13/ 20).

([116]) ينظر: المجموعة الفقهية المصرفية لعبدالستار أبو غدة (13/ 19)، وأثر معايير المحاسبة المالية للمؤسسات المالية الإسلامية على القوائم المالية لأبي بكر طمبل (ص 54).

([117]) ينظر: المجموعة الفقهية المصرفية لعبدالستار أبو غدة (13/ 20)، والمواءمة بين المعايير المحاسبية الإسلامية والمعايير المحاسبية الدولية لرائد جبر (ص 36)، أثر معايير المحاسبة المالية للمؤسسات المالية الإسلامية على القوائم المالية لأبي بكر طمبل (ص 54).

([118]) ينظر: المجموعة الفقهية المصرفية لعبدالستار أبو غدة (13/ 17)، والتعريف بالمعايير الشرعية والمحاسبية لمجدي عبداللطيف (ص15).

([119]) ينظر: المجموعة الفقهية المصرفية لعبدالستار أبو غدة (13/ 17)، والتعريف بالمعايير الشرعية والمحاسبية لمجدي عبداللطيف (ص15)، وهيئة المحاسبة والمراجعة لبهجت عويد حمدان (ص 24).

([120]) ينظر: المجموعة الفقهية المصرفية لعبدالستار أبو غدة (13/ 18).

([121]) انظر: منهجية تقنين المعاملات المالية المعاصرة: تجربة مجلة الأحكام العدلية ومجلة الأحكام الشرعية أنموذجًا، للدكتور أمين سالم عبد الله بن عثمان، والدكتور نايف بن جمعان عبود، بحث بمجلة الريان للعلوم الإنسانية والتطبيقية، المجلد الأول، العدد (1)، ديسمبر 2018م (ص102، 103).

([122]) مجموع الفتاوى (28/386).

([123]) انظر: المعجم الوسيط (1/264)، القاموس الفقهي (ص125).

([124]) انظر: الاختيار الفقهي وإشكالية تجديد الفقه الإسلامي لمحمود النجيري (ص19- ط: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت، الطبعة الأولى، يناير 2008م).

([125]) انظر: الاختيار الفقهي (ص21).

([126]) انظر: ضوابط الاختيار الفقهي عند النوازل لدار الإفتاء المصرية (ص10، 11- ط: دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة، 1434هـ/ 2013م).

([127]) انظر: الاختيار الفقهي (ص35، 36).

([128]) انظر: البحر المحيط (8/334).

([129]) انظر: الإحكام للآمدي (4/236)، التقرير والتحبير شرح تحرير ابن الهمام لابن أمير حاج (3/344- ط: دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1403هـ/ 1983م)، تيسير التحرير (4/246)، حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (2/437).

([130]) انظر بتصرف: الاختيار الفقهي (ص52، 53).

([131]) الموافقات للشاطبي (1/520).

([132]) أخرجه أحمد في مسنده (22291)، والروياني في مسنده (1279- ط: مؤسسة قرطبة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1416هـ)، والطبراني في المعجم الكبير (8/ رقم 7715).

والحديث سنده ضعيف. انظر: المغني عن حمل الأسفار (مطبوع بهامش إحياء علوم الدين) لزين الدين العراقي (ص1499- ط: دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى، 1426هـ/ 2005م).

([133]) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب الدِّينُ يُسْرٌ (39) من حديث أبي هريرة.

([134]) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب صب الماء على البول في المسجد (220) من حديث أبي هريرة.

([135]) انظر: القواعد الفقهية للدكتور عبد العزيز عزام (ص117- ط: دار الحديث، 1426هـ- 2005م).

([136]) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (14/244).

([137]) وعدها ابن القيم خمسة؛ حيث أضاف النيات فقال: «فصل في تغيير الفتوى، واختلافها بحسب تغير الأزمنة، والأمكنة، والأحوال، والنيات، والعوائد». انظر: إعلام الموقعين (3/11).

([138]) انظر: مدى تغير الأحكام بتغير الجهات الأربع (ص83، 84)، وانظر أيضًا: رسائل ابن عابدين (2/125)، القواعد الفقهية د.عزام (ص198)، درر الحكام في شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر (1/47- ط: دار الجيل، الطبعة الأولى، 1411هـ/ 1991م).

([139]) ينظر: المعايير الشرعية والاقتصادية للتمويل في المصارف الإسلامية لعبداللطيف التونسي (ص6).

([140]) سورة البقرة، الآية رقم (286).

([141]) سورة الحج، الآية رقم (78).

([142]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد عبدالسلام إبراهيم، الطبعة الأولى، 1411هـ، 1991م، (4/ 121).

([143]) ينظر: المعايير الشرعية والاقتصادية للتمويل في المصارف الإسلامية لعبداللطيف التونسي (ص10).

([144]) ينظر: الحاجة إلى إعداد معايير محاسبية خاصة بالبنوك الإسلامية لمحمد عبدالحليم عمر (ص 53) وما بعدها، وأثر توافق معايير المحاسبة الإسلامية لمسفاف حياة (ص 46).

([145]) ينظر: الإسلام عقيدة وشريعة للشيخ شلتوت (ص 502).

([146]) كما يقول صلى الله عليه وسلم: «الحكمةُ ضالَّة المؤمن فحيث وجدها فهو أحقُّ بها». أخرجه في الجامع الصغير للمناوي (2/ 227).

([147]) ينظر: مفاتيح العلوم، محمد بن أحمد الخوارزمي، تحقيق: إبراهيم الإبياري، دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية، (ص 153) وما بعدها

([148]) ينظر: مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه، عبدالوهاب خلاف، معهد الدراسات العربية العالمية، جامعة الدول العربية، 1954م، (ص 11).

اترك تعليقاً